الاحتمال الأقوى الآن.. ممر من السويداء إلى القدس

08:3623/07/2025, الأربعاء
تحديث: 23/07/2025, الأربعاء
ياسين اكتاي

تعتبر إسرائيل الدول القومية القوية لا سيما العربية منها، تهديدًا لوجودها، ولهذا فإنها ترفض قيام أي دولة قوية في جوارها. وينعكس هذا التصور الأمني بوضوح في مقاربتها تجاه سوريا، حيث لا يمكن لإسرائيل أن تتقبل قيام دولة سورية موحدة ذات سيادة إقليمية وجيش قوي. هذه الحقيقة معروفة لكل من يواجه التهديد الإسرائيلي. فإسرائيل التي لا ترغب في وجود دول قوية تنتهج سياسة إشعال الأزمات منذ ثمانين عاماً للقضاء على ما تعتبره تهديدا، حتى أصبحت الفوضى جزءاً من النظام الإقليمي في الشرق الأوسط. واللافت في هذا السياق أن

تعتبر إسرائيل الدول القومية القوية لا سيما العربية منها، تهديدًا لوجودها، ولهذا فإنها ترفض قيام أي دولة قوية في جوارها. وينعكس هذا التصور الأمني بوضوح في مقاربتها تجاه سوريا، حيث لا يمكن لإسرائيل أن تتقبل قيام دولة سورية موحدة ذات سيادة إقليمية وجيش قوي. هذه الحقيقة معروفة لكل من يواجه التهديد الإسرائيلي. فإسرائيل التي لا ترغب في وجود دول قوية تنتهج سياسة إشعال الأزمات منذ ثمانين عاماً للقضاء على ما تعتبره تهديدا، حتى أصبحت الفوضى جزءاً من النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.

واللافت في هذا السياق أن هذا التوصيف جاء على لسان توم باراك، السفير الأمريكي في أنقرة والمبعوث الخاص لسوريا، ما يجعله تصريحًا مثيرًا للدهشة ومفاجئا. فرغم أن البعض قد يفسّر هذه التصريحات على أنها تهديد أمريكيّ موجَّه لسوريا، إلا أن مضمونها يبدو أقرب إلى انتقاد للسياسات الإسرائيلية. إن هذا التوصيف يكشف المسؤول الحقيقي عن هذه الصورة للمنطقة التي تبدو للبعض مستنقعًا، وللبعض الآخر مركزا للفوضى، ولآخرين مرتعًا للعنف والإرهاب.

إن التصريح الذي أدلى به باراك خلال زيارته إلى لبنان، لوكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية يقوّض بلا شك السردية الكاملة التي كانت سائدة في الغرب حول إسرائيل حتى الآن.

ولا تحظى هذه السردية بأي مصداقية أو قبول في المنطقة. لكن حين نأخذ هذا التوصيف الأوّلي الذي قدّمه باراك وندفعه خطوة أبعد، فلن يكون من المبالغة القول إن جميع الصور النمطية والروايات الاستشراقية عن الشرق الأوسط باتت على وشك الانهيار.

فالدولة الإرهابية إسرائيل، القائمة على الإبادة الجماعية والتي تهاجم كل من يقف في طريقها كالثور الهائج، تضطلع بدور في الشرق الأوسط يفوق بكثير ما هو متخيل أو ظاهر. فهذه الكيان الغاصب لا يتحمّل فقط وزر الاحتلالات المباشرة، أو الغارات الوحشية، أو المجازر الجماعية، أو المدن التي دمرها. بل هو مسؤول أيضاً عن جميع الاضطرابات والفوضى في المنطقة، وسفك الدماء، وامتهان الكرامة الإنسانية، والأنظمة الاستبدادية، وجميع الجرائم التي ترتكبها هذه الأنظمة، وذلك بسبب النظام الذي أنشأته حول نفسها.

وإذا كانت المنطقة تعاني من غياب الديمقراطية، فإن المسؤول الأول عن هذا الغياب هو إسرائيل ذاتها. فالأنظمة الديمقراطية أيضًا تُعدّ تهديدًا وجوديًا في نظر إسرائيل، إذ إن أول ما تواجهه الأنظمة التي تستند إلى إرادة الشعوب هو عدوانية إسرائيل المنفلتة، والحاجة إلى اتخاذ تدابير لردعها. هذا بالضبط ما قامت به الحكومات التي وصلت إلى السلطة عقب الثورات العربية. فالرئيس المصري الراحل محمد مرسي، أول رئيس يُنتخب في مصر عبر صناديق الاقتراع، لم يكتفِ بالاعتراض على السياسات الاحتلالية الإسرائيلية، بل اتخذ موقفًا سياسيًا صريحًا ضدها. فأُطيح به ليحلّ محله عبد الفتاح السيسي، الذي وصفه أحد المتطرفين الإسرائيليين بأنه "أفضل قائد مصري يمكن أن تحظى به إسرائيل". وهكذا أُجهضت المسيرة الديمقراطية التي طالما تاقت إليها مصر منذ قرن، وكل ذلك من أجل ضمان أمن إسرائيل.

لم تكن هناك أي خصومة بين إسرائيل ونظام الأسد، الذي أزهق خلال أربعة عشر عامًا أرواح مليون سوري. وحتى المحاولات الأمريكية للإطاحة بالأسد أُحبطت بدعوى الحفاظ على أمن إسرائيل. فرغم ثبوت استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، إلا أن القوات الأمريكية التي جاءت إلى سوريا بحجة إسقاطه، سرعان ما بدلت خططها وغيّرت مهمتها: من الإطاحة بالمجرم إلى تثبيت أركان حكمه. كانت هناك تصريحات معادية للأسد ظاهريا، وفرضت عليه عقوبات، ولكن لو أريد إسقاطه حقا، لأمكن تحقيق ذلك خلال يوم واحد. فالقدرة على ذلك كانت متوفرة بلا شك، كما يتضح اليوم للجميع. لكن ما أبقاه صامدًا هو أنه كان الخيار الأنسب لمصالح إسرائيل. فقد كان يقتل المسلمين، ويزجّ بهم في سجونه، حيث يتعرضون لأبشع صنوف التعذيب اللا إنساني، ويدمر بيوتهم على رؤوسهم، ويشرد الناجين منهم خارج وطنهم. لقد ارتكب جرائم ضد الإنسانية، وكان بإمكان الولايات المتحدة أن توقفه، لكنها اكتفت بالمشاهدة، فقط من أجل ضمان أمن إسرائيل.

واليوم بعد أن أطاح الشعب السوري بنظام الأسد، تتابع إسرائيل بقلق المرحلة الجديدة. ورغم أن حكومة الشرع لم يصدر عنها حتى الآن أي تصريح ولم تبدِ نوايا عدائية لاستهداف إسرائيل أوأي دولة أخرى في المنطقة بل أعلنت للعالم أجمع أنها لن تنشغل بالحرب، وإنما ستركز على إعادة إعمار البلاد وضمان عودة آمنة للاجئين، إلا أن إسرائيل لا تزال تراها تهديدًا. وللتخلص من هذا التهديد قبل أن يكبر تلجأ إلى ما تبرع فيه: العدوان. فتستغل تفوقها العسكري غير المتكافئ، لتشن هجمات أحادية الجانب على نحو غير عادل، مخلفة بذلك دماراً واسعاً وخراباً كبيراً.

بعملها هذا، تُعد إسرائيل نهايتها بنفسها. فتدخلاتها في سوريا ستحملها مسؤولية جميع الجرائم التي ارتكبها الأسد، وستتم محاسبتها على ذلك.

أما تحركها الأخير في سوريا، والذي تذرعت فيه بحماية بعض عملائها من الدروز، فقد أدى إلى استنفار العشائر العربية، فتوجهت نحو محافظة السويداء، ورغم أن هذا الزحف قد هدأ مؤقتًا بتدخل الحكومة، إلا أن هذه المسيرة تنذر بصحوة الأمة التي كانت تبدو نائمة وغائبة حتى اليوم. أما ما سيحدث لاحقًا، فهو ما ينبغي لإسرائيل وعملائها أن يقلقوا بشأنه. فالعجرفة الصهيونية التي تقتل المسلمين في غزة، وتُمعن في إذلالهم وإهانتهم في كل خطوة، هي وداعموها عديمو المسؤولية، متجاهلةً مشاعر البشرية جمعاء، لا سيما مشاعر مليارَي مسلم، قد أيقظت بنفسها ما تحاول طمسه؛ إذ إنها تستفز بتهورها هذه الطاقة الكامنة في صدور الشعوب المسلمة.

ولا شك أن لصبر الشعوب حداً، وقد تجاوزت إسرائيل هذا الحدّ منذ زمن. وإنّ هذا الزحف نحو السويداء الناتج عن هذا التجاوز، قد لا يحتاج إلا إلى تغيير بسيط في الاتجاه كي يتحول من السويداء إلى القدس وغزة. لقد أرادت إسرائيل فتح ممر "داوود" من السويداء إلى شرق الفرات وشمال سوريا، متذرعة بحماية الدروز، ولكن يبدو أن المعطيات تغيرت الآن، وأضحى احتمال أن يفتح مقاتلو العشائر الذين زحفوا إلى السويداء ممرًا من هناك إلى القدس، أكثر واقعيةً وقوةً.


#السويداء
#القدس
#الدروز
#العشائر البدوية
#الاحتلال الإسرائيلي
#توم باراك
#غزة
#سوريا