
الزعيم الدرزي السوري المولود في فنزويلا حكمت الحجري يؤكد أن السويداء ذات الغالبية الدرزية جزء من سوريا غير أن مطالبه تقود إلى كيان انفصالي مدعوم خارجيًا يجعل علاقته مع دمشق شكلية
تحوّل حكمت الهجري، الزعيم الروحي لجزء من الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، إلى رمز لجماعة تسعى إلى لعب دور سياسي ضمن توازنات معقدة، بعدما كان يُنظر إليه كمرجعية دينية فقط، بالتزامن مع سقوط نظام بشار الأسد، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي عند الحدود الجنوبية.
وبحسب المعلومات التي جمعها مراسلو الأناضول، من مصادر مفتوحة، حيث وُلد حكمت الهجري عام 1965 في فنزويلا، وانتقل والده إلى هناك للعمل في خمسينيات القرن الماضي.
عاد الهجري، لاحقًا إلى سوريا من أجل متابعة دراسته، فأكمل مراحل التعليم من الابتدائية حتى الثانوية داخل البلاد، وتخرج من كلية الحقوق في جامعة دمشق عام 1990.
وفي 1989، وبينما كان على وشك التخرج، أصبح شقيقه أحمد الهجري، شيخ عقل (منصب ديني رفيع) في الطائفة الدرزية، بمحافظة السويداء (جنوب).
وبعد أن أبدى أحمد الهجري، تعاطفًا مع الحراك الشعبي المناهض للنظام الذي اندلع في ربيع 2011، وسمح بانضمام بعض الجنود الدروز إلى "الجيش السوري الحر"، توفي في حادث سير مشبوه عام 2012، فانتقلت المشيخة إلى شقيقه حكمت الهجري.
خلافًا لشقيقه أحمد، حرص حكمت الهجري، على الحفاظ على علاقاته مع النظام السوري السابق (برئاسة بشار الأسد).
وخلال الحرب الأهلية التي اندلعت بسبب قمع النظام العنيف للحراك الشعبي، ظل الهجري حتى عام 2018 يؤيد انضمام أهالي السويداء إلى صفوف جيش النظام، كما شجّع المتخلفين عن الخدمة الإلزامية على الاستفادة من قرارات العفو.
وفي تلك الفترة، برز الهجري، كأحد أقرب الزعماء الدينيين للنظام، وشارك في فعالياته الرسمية.
وشهدت الطائفة الدرزية المنضوية تحت قيادته انقسامًا خلال تلك المرحلة، إذ أصبحت بلدة قنوات (شمال شرق مدينة السويداء)، مركزًا رئيسيًا لأتباع الهجري، في حين التفّت مجموعات أخرى حول مشايخ مقام عين الزمان (وسط مدينة السويداء)، وعلى رأسهم يوسف جربوع وحمود الحناوي.
وفي 2021، بدأت تظهر تصدّعات في علاقة الهجري مع نظام الأسد.
وفي الوقت الذي اتخذ فيه موقفًا حذرًا في معارضة النظام خلال السنوات السابقة، عبّر الهجري عن دعمه العلني للاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في 2021 و2022، رفضًا للتدهور المعيشي في مختلف أنحاء البلاد.
ورداً على ذلك، حاول النظام إبراز الشيخ يوسف جربوع كوجه جديد للطائفة الدرزية، من خلال استمالته إلى صفوفه.
وفي 16 أغسطس/آب 2023، وبعد قرار النظام رفع أسعار المحروقات، انطلقت احتجاجات واسعة في مدن عدّة، لا سيما في محافظتي درعا والسويداء (جنوب).
وشاركت في تلك التظاهرات مجموعات محسوبة على حكمت الهجري، بعدما فقد دعم النظام رسميًا.
وفي 27 سبتمبر/أيلول 2023، استغلت الولايات المتحدة الوضع، والتقى نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش، بالزعيم الروحي الدرزي حكمت الهجري، معلنًا دعم بلاده لمظاهرات السويداء.
أما النظام السوري، فأقدم في 13 مايو/أيار 2024 على تعيين رئيس سابق لجهاز الاستخبارات محافظًا للسويداء، في خطوة تُظهر قلقه من فقدان السيطرة على المحافظة مع استمرار الحراك الشعبي.
وعقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، وجّه حكمت الهجري في 9 من الشهر نفسه تهنئة للشعب السوري، معتبرًا أنه "أنقذ الوطن" من قبضة نظام وصفه بـ"الفاسد والمليء بالكراهية".
وفي مقابلة أجراها مع الأناضول في 30 ديسمبر 2024، قال الهجري إن "سوريا خرجت من استعمار دام 60 عامًا"، واصفًا النظام السابق بـ"الطغيان".
وفي التصريح نفسه، طالب الزعيم الدرزي بنظام إداري جديد "يضمن حرية المجتمعات المحلية دون أن يقطع صلتها بالحكومة المركزية".
ومع تسارع جهود تشكيل الإدارة الجديدة، انتاب الهجري قلق من أن تؤدي هذه المرحلة إلى إنهاء الوضع شبه المستقل الذي تمتعت به الطائفة الدرزية فعليًا منذ اندلاع الحرب عام 2012.
وفي مقابلة تلفزيونية بُثت في يناير/كانون الثاني 2025، أكد الهجري أن الحديث عن نزع السلاح في سوريا لا يزال "مبكرًا جدًا"، مشددًا على أن هذا الطرح "مرفوض بالكامل قبل تأسيس دولة وصياغة دستور يضمن الحقوق".
وفي هذا السياق، شدد الهجري على أن مطالب الطائفة الدرزية واضحة، وتتمثل في نموذج حكم محلي يستند إلى الإرادة الشعبية ويتناغم مع السلطة المركزية، ودولة مدنية لا تستند إلى أسس دينية أو عرقية، ودستور عادل، وضمان التعددية السياسية.
تزايدت حدة الخطاب المعارض للزعيم الدرزي حكمت الهجري تجاه الحكومة السورية، بالتزامن مع زيادة توسع التصعيد والوجود الإسرائيلي في جنوب سوريا.
ففي أعقاب تصاعد الاشتباكات في سوريا بتاريخ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وتزامنًا مع انهيار نظام البعث الذي حكم سوريا نحو 61 سنة، في 8 ديسمبر 2024، صعّدت إسرائيل هجماتها على الأراضي السورية.
وبدأ الجيش الإسرائيلي بتدمير البنى التحتية العسكرية التي خلفها جيش النظام، ووسّع نطاق احتلاله لمرتفعات الجولان السورية.
وفي 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن إسرائيل ستبقى "بشكل دائم" في جبل الشيخ، الواقع في محافظة القنيطرة السورية (جنوب).
وأضاف كاتس، أن إسرائيل ستعزز تواصلها مع ما وصفها بـ"الشعوب الصديقة" في جنوب سوريا، مشيرًا بالخصوص إلى "الروابط التاريخية والعائلية الوثيقة بين الدروز في إسرائيل ونظرائهم في سوريا".
وفي 9 مارس/ آذار الماضي، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن حزمة استثمارية مدتها 5 سنوات تتجاوز قيمتها مليار دولار، تستهدف مجتمعات الدروز في الجولان المحتل، رغم أن هذه المنطقة تُعدّ من الناحية القانونية أراضي سورية وفق القانون الدولي.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليقًا على هذه الخطة "لدينا التزام عميق تجاه إخوتنا في المجتمع الدرزي، ويشمل هذا الالتزام دروز المنطقة، لا سيما أولئك المقيمين في سوريا".
وفي تصريحات تتماشى بشكل متزامن ومنسق مع الموقف الإسرائيلي، وصف الهجري، في 14 مارس/ آذار 2025، حكومة دمشق بأنها "متطرفة ومطلوبة من قبل المحكمة الجنائية الدولية"، وذلك في معرض تعليقه على دعم تل أبيب المتزايد له.
وأكد الهجري أن نضالهم يأتي من أجل مصالح المجتمع الدرزي، مشيرًا إلى أن "قيمة كل مجتمع تُقاس بأفراده وكوادره وإرثه الوطني"، وأضاف: "نحن في مرحلة نكون أو لا نكون".
وفي التصريح ذاته، قال: "سنتقدم في هذا المناخ، لكن هناك أمور لا تتغير. لا يوجد أي تفاهم أو توافق مع الحكومة الحالية في دمشق".
وجدد وصفه لحكومة دمشق بأنها "نظام متطرف ومطلوب للعدالة الدولية"، مؤكدًا أن المجتمع الدرزي "سيسير في الطريق الذي يراه مناسبًا"، وأنهم "لن يقبلوا بأقل من الوجود الكامل"، معتبرًا هذه المطالب حقوقًا مشروعة.
وفي 13 مارس/ آذار الماضي، وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع، على بيان يحدّد المبادئ الأساسية للدستور المؤقت.
وفي ردّه على ذلك، وصف الهجري، في بيان، الدستور الجديد الصادر عن الحكومة المؤقتة في دمشق بأنه "غير منطقي".
ثم عاد ليصرّح في مقابلة مع شبكة "روداو" في 10 يونيو/ حزيران الماضي، بأن الوثيقة الدستورية الخاصة بالمرحلة الانتقالية في سوريا "ظالمة"، على حد وصفه.
كما اعتبر الهجري، أن هذه الوثيقة "لا تلبي تطلعات أي من مكونات الشعب السوري، حتى الطائفة السنية غير راضية عنها"، مضيفًا أن "الدستور لا يحتوي على بنود تراعي التنوع المجتمعي، والحكومة المؤقتة الحالية لا تعبّر عن إرادة الشعب".
واختتم الهجري بالتأكيد على أن الحل السياسي في سوريا "يجب ألا يكون قائمًا على أسس طائفية، بل على الحقوق المجتمعية الجامعة".
وفي 28 فبراير/ شباط الماضي، شهد حي جرمانا في العاصمة السورية دمشق، اشتباكات بين مجموعات درزية محلية وقوات من الأمن العام السوري.
وعلى خلفية هذه التطورات، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 1 مارس الماضي، بأنّه أصدر تعليمات للجيش الإسرائيلي بحماية منطقة جرمانا جنوب دمشق، التي تقطنها أغلبية درزية، من "هجمات" الحكومة السورية.
وقال نتنياهو، في بيانه: "إذا أقدم النظام السوري الجديد على إيذاء الدروز، فسوف نردّ. منطقة جرمانا تتعرض حاليًا لهجمات من قبل قوات النظام، ونحن مصممون على فعل كل ما يلزم لحماية إخوتنا الدروز في سوريا، تضامنًا مع إخوتهم في إسرائيل"، وفق ادعائه.
وفي أبريل الماضي، تسبب تسجيل صوتي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لشخص من محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، وهو يسيء للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، في موجة غضب واسعة.
وعقب انتشار التسجيل، اندلعت اشتباكات جديدة بين قوى الأمن السوري ومجموعات مسلّحة من المجتمع الدرزي في حي جرمانا.
وفي الجولان السوري المحتل، خرجت مظاهرات نظّمها دروز يدعون فيها إسرائيل إلى التدخل عسكريًا في سوريا.
وفي 30 أبريل، شنّت إسرائيل هجمات جديدة على سوريا تحت ذريعة "حماية الدروز"، في إطار سياسة تشجيع المجتمع الدرزي على مواجهة نظام دمشق.
ووفق تقارير إعلامية، نُقل خمسة مصابين من الدروز إلى إسرائيل لتلقّي العلاج، بعد إصابتهم خلال اشتباكات مع قوات الحكومة السورية في جنوب دمشق.
وأعلنت الحكومة السورية أنها استعادت السيطرة على حي جرمانا في الأول من مايو/ أيار الماضي، بعد امتداد الاشتباكات إلى حي صحنايا الذي يضم شريحة مهمة من المكوّن الدرزي.
وردًا على ذلك، شنّ الجيش الإسرائيلي في الثاني من مايو، غارة استهدفت موقعًا قرب القصر الجمهوري في دمشق.
وعلّق الهجري، على هذه التطورات في حديث لصحيفة "واشنطن بوست"، قائلًا إنهم "في حالة أزمة"، داعيًا إلى "تدخّل دولي".
وأكد أن إسرائيل "ليست عدوًا"، في تصريح أثار جدلًا واسعًا.
من جهتها، نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" تقريرًا في 3 مايو، وصفت فيه الهجري بأنه "معارض لحكومة دمشق"، ونقلت مخاوفه من أن "تتعرض الطائفة الدرزية لإبادة جماعية غير عادلة" على حد زعمه.
وبينما كانت الاشتباكات مستمرة بين الدروز وعشائر بدو العرب في محافظة السويداء، تم الإعلان في 13 يوليو/ تموز الجاري عن مقتل 6 جنود من قوات الحكومة السورية، جراء هجوم شنّته فصائل درزية على وحدات للجيش.
ورغم أن الهجري، أعلن في صباح 15 يوليو ترحيبه بدخول قوات الأمن التابعة للحكومة إلى المدينة، إلا أنه غيّر موقفه في اليوم ذاته، ودعا أنصاره إلى مواجهة هذه القوات.
وبعد إعلان الهجري سحب دعمه للحكومة في دمشق، أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ ضربات جوية في جنوب سوريا، بناءً على تعليمات صدرت من تل أبيب.
وفي منشور نُشر في 17 يوليو، على الحساب الرسمي للهجري على وسائل التواصل الاجتماعي، تم طرح فكرة فتح "ممر" بين مناطق سيطرة الدروز في محافظة السويداء، ومناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة تنظيم "قسد".
كما وجه الحساب نداءً إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لفتح معبر حدودي بين السويداء والأردن.
وأثارت هذه المطالب كثيرًا من الجدل، حيث فسّرها البعض على أنها محاولة من الهجري لربط السويداء بالعالم الخارجي مباشرةً، في ظل إشارات إلى ارتباط هذه الدعوات بمشروع "ممر داوود"، الذي يُقال إنه جزء من خريطة التوسع الإسرائيلي في المنطقة.
وفي الوقت نفسه، واجه الهجري انتقادات حادة بسبب دعواته المتكررة لتدخل دولي لحماية الدروز، بالتوازي مع دعمه لهجمات أسفرت عن تهجير نحو 5 آلاف عائلة من البدو من مناطقهم في السويداء، من دون تقديم أي ضمانات بشأن عودتهم، ما فُسّر على أنه محاولة لبناء منطقة نفوذ "عرقية الطابع"، بدعم خارجي، وبهيكلية حكم ذاتي مؤقتة.
ورغم تكرار الهجري لتصريحات تؤكد أن الدروز جزء من سوريا، إلا أن الشروط التي طرحها تُظهر سعيًا لتعريف منطقة السويداء باعتبارها كيانًا منفصلًا فعليًا عن تأثير الحكومة في دمشق.