
الطفلة جوري مهنا (9 أعوام) من مدينة غزة: أشتاق لمدرستي وصديقاتي.. أريد أن أكتب على اللوح من جديد الطالب محمود أبو دف: للعام الثاني لم نتمكن من تقديم امتحانات الثانوية العامة ولا يزال مصيرنا مجهولا.. مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة: - الاحتلال الإسرائيلي يحرم للعام الثالث على التوالي نحو 785 ألف طالب وطالبة من الدراسة - قطاع غزة يتعرض لـ"إبادة تعليمية وثقافية بحق أجيال كاملة"، فالأضرار المادية طالت أكثر من 95 بالمئة من مدارسه - الإبادة الإسرائيلية حصدت أرواح 13 ألفا و500 طالب و830 معلما وكادرا تربويا و193 عالما وأكاديميا وباحثا
تشهد معظم دول العالم هذه الأيام بداية العام الدراسي الجديد، بينما تحرم حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 طلاب وطالبات قطاع غزة من التعليم للعام الثالث على التوالي.
وأضحت مدارس غزة بلا مقاعد دراسة ولا صفوف مدرسية، وتحولت إلى مراكز لإيواء نازحين قسريا أو أكوام من ركام، ما تسبب في حرمان نحو 785 ألف طالب وطالبة من التعليم.
الطفلة جوري مهنا (9 أعوام) من مدينة غزة تحتفظ بعلبة أقلام ملونة في حقيبتها الصغيرة، رغم أنها لم تستخدمها منذ أكثر من عامين.
تقلب جوري صفحات دفتر قديم، وترسم أحلامها بعودة الحياة إلى مقاعد الدراسة.
وبينما تجلس بجانب والدتها، قالت للأناضول: "أشتاق لمدرستي وصديقاتي.. أريد أن أكتب على اللوح من جديد".
تحاول والدتها تعويض هذا الانقطاع عبر تسجيل ابنتها في منظومة تعليم إلكتروني أطلقتها وزارة التربية والتعليم في غزة.
لكنها تصطدم بواقع قاسٍ يتمثل في النزوح القسري المتكرر وانقطاع الكهرباء وضعف الإنترنت، تحت وطأة قصف إسرائيلي مستمر ضمن حرب الإبادة.
وقالت الأم: "أصبح التعليم في غزة حلما صعب المنال، كل عائلة تبحث عن أي وسيلة حتى لا يضيع مستقبل أطفالها".
وفي 13 أغسطس/ آب الماضي، قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني، عبر منصة شركة "إكس" الأمريكية، إن مليون طفل بغزة محرومون من التعليم، ويعانون من صدمة نفسية عميقة.
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلّفت الإبادة 63 ألفا و633 قتيلا، و160 ألفا و914 جريحا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وأكثر من 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 361 فلسطينيا بينهم 130 طفلا.
** مصير مجهول
ولا يقتصر الحرمان من التعليم على الأطفال فقط، بل يمتد ليشمل الطلاب كافة في مراحلهم الدراسية الابتدائية والثانوية والجامعية.
محمود أبو دف (18 عاما) كان على وشك إكمال مرحلة الدراسة الثانوية والالتحاق بالتعليم الجامعي، لكن الحرب الإسرائيلية دمرت حياته الدراسية كليا.
وقال أبو دف للأناضول: "للعام الثاني لم نتمكن من تقديم امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، ولا يزال مصيرنا مجهولا".
وتابع أن "مئات آلاف الطلبة في غزة وجدوا أنفسهم بلا مقاعد أو صفوف دراسية".
و"تحولت المرافق التعليمية إلى مراكز لإيواء النازحين الفارين من جحيم القصف الإسرائيلي"، كما أردف أبو دف.
** جريمة ممنهجة
مدير المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إسماعيل الثوابتة قال للأناضول إن "الاحتلال الإسرائيلي يحرم للعام الثالث على التوالي نحو 785 ألف طالب وطالبة من الدراسة".
وأضاف: "كما يحرم 25 ألف معلم من حقهم الأساسي في التعليم، في جريمة ممنهجة يرقى أثرها إلى إبادة ثقافية وتعليمية".
الثوابتة عزا الوضع الراهن إلى التدمير الواسع الذي طال البنية التحتية التعليمية بفعل العدوان المتواصل.
وأضاف أن الأضرار المادية طالت أكثر من 95 بالمئة من مدارس قطاع غزة، فيما تحتاج أكثر من 90 بالمئة من المباني المدرسية إلى إعادة بناء أو إعادة تأهيل شامل.
وأفاد باستهداف إسرائيل بشكل مباشر 662 مبنى مدرسيا، أي ما يقارب 80 بالمئة من إجمالي المدارس.
بينما صُنفت 116 مدرسة أخرى متضررة، وهو ما أدى إلى حرمان نحو 140 ألف طالب إضافي من الالتحاق بمقاعد الدراسة، بحسب الثوابتة.
وزاد بأن الحرب الإسرائيلية دمرت 163 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية كليا، و388 مؤسسة أخرى جزئيا، وتضرر 70 بالمئة من المدارس التي استخدمت ملاجئ لنازحين، ومحافظتا شمال غزة ورفح هما الأكثر تضررا بنسبة 100 بالمئة.
واستطرد: "لم يتوقف الاستهداف عند البنية التحتية، بل امتد ليحصد أرواح 13500 طالب و830 معلما وكادرا تربويا، و193 عالما وأكاديميا وباحثا".
وهو ما وصفه الثوابتة بأنه "استهداف ممنهج للحق في التعليم وحرمان أجيال بأكملها من مستقبلها".
وأكد أن هذه الممارسات تمثل "انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، واتفاقية حقوق الطفل، التي تضمن الحق في التعليم والحماية في أوقات النزاع".
الثوابتة شدد على أن ما يجري في غزة ليس مجرد أضرار جانبية للحرب، بل "تدمير متعمد للركائز الأساسية للحياة المدنية".
ودعا المجتمع الدولي إلى "تحرك عاجل لوقف هذه الجريمة، والعمل على محاسبة الاحتلال على جرائمه ضد الطلبة والمعلمين والبنية التعليمية".
وفي 7 أغسطس/ آب الماضي، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية في بيان إن هجمات إسرائيل على مدارس غزة ستعطل التعليم لسنوات عديدة.
وزادت بأن "إصلاح هذه المدارس وإعادة بنائها سيتطلب الكثير من الموارد والوقت، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية كبيرة على الأطفال وأولياء الأمور والمعلمين".
ومنذ عقود تحتل إسرائيل فلسطين وأراضي في سوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.