يوميات أسطول الصمود.. فخ يتربص بنا في رحلتنا إلى غزة

08:1716/09/2025, الثلاثاء
تحديث: 16/09/2025, الثلاثاء
أرسين جليك

الحمد لله، قضينا أول يوم لنا في البحر. ولن أسترسل هنا في رواية أحداث "يوم على متن القارب"، بل سأوجز ما جرى، ثم أبين كيف يُساق الرأي العام إلى فخ بالغ الخطورة. أبحرنا ظهر اليوم السابق من ميناء أوغستا في جزيرة صقلية الإيطالية. كانت هذه هي اللحظة التي انتظرناها لأيام، ولأننا اضطررنا مرارًا لإبلاغ المتابعين بأخبار التأجيل، أعلنا عن انطلاقنا من عرض البحر عبر البث المباشر بعد ساعات من فك الحبال، وليس في لحظة الإبحار نفسها. لقد كان ذلك جزءا من استراتيجية تواصل وضعناها خصيصا للرأي العام في تركيا. انطلقنا

الحمد لله، قضينا أول يوم لنا في البحر. ولن أسترسل هنا في رواية أحداث "يوم على متن القارب"، بل سأوجز ما جرى، ثم أبين كيف يُساق الرأي العام إلى فخ بالغ الخطورة.

أبحرنا ظهر اليوم السابق من ميناء أوغستا في جزيرة صقلية الإيطالية. كانت هذه هي اللحظة التي انتظرناها لأيام، ولأننا اضطررنا مرارًا لإبلاغ المتابعين بأخبار التأجيل، أعلنا عن انطلاقنا من عرض البحر عبر البث المباشر بعد ساعات من فك الحبال، وليس في لحظة الإبحار نفسها. لقد كان ذلك جزءا من استراتيجية تواصل وضعناها خصيصا للرأي العام في تركيا. انطلقنا من إيطاليا على متن 17 قاربًا، بتنظيم الوفد الأوروبي لأسطول "صمود العالمي". كانت القوارب الشراعية التي تسير في عرض البحر لمدة يومين صغيرة لكنها قوية، وتحمل على متنها ما يقارب 150 ناشطاً، يشكل الأتراك 10% منهم.

وبعد إبحار استغرق نحو عشر ساعات، رسونا قبالة أحد الموانئ في أقصى جزيرة صقلية. كنا ننتظر تحرك السفن التي كان من المفترض أن تنطلق من تونس، والتي جرى عرقلتها منذ أيام بفعل ضغوط وعوائق متعددة. للسفينة نظام وقواعد وقوانين؛ وإذا التزم المرء بها فلن يجد صعوبة. أما التهاون أو التمرد فليس خيارًا متاحًا. وما دمت هنا، فلا بد من التكيف مع الظروف. وفي جميع الأحوال، فإن ما نقضيه من أيام أو أسابيع لا يساوي ثانية واحدة من معاناة غزة. لقد بدأنا الرحلة. انتهى البر وبدا لنا البحر. ومن هذه اللحظة، ينبغي أن تكون غزة الهدف الأوحد، لنا وللرأي العام على السواء.

لقد تطرقتُ إلى أحداث تونس في المقال السابق، والحقيقة الصادمة هي أن البعض حاول إيقاف الأسطول هناك، ونجحوا في ذلك جزئيًا. سيقوم وفد أسطول الصمود العالمي بتقييم الوضع، ويُعلن للرأي العام ما يتوجب معرفته.

والآن دعونا ننتقل إلى القضية الرئيسية بعد التشاور مع الأصدقاء، توصلنا إلى استنتاج مفاده: صحيح أن الأسطول الذي يعد أضخم بعثة بحرية مدنية في تاريخ العالم، قد أبحر نحو غزة رغم كل العراقيل التي وُضعت على البر، لكن أنظار وآذان العالم بدأت تبتعد عن غزة.

بعبارة أخرى بينما يتجه الأسطول نحو غزة، يتحول اهتمام العالم من غزة إلينا. قد يفتح هذا الباب أمام فخ استراتيجى يجب استباق حدوثه. فوسائل الإعلام العالمية، التي سئمت من رتابة الوحشية الممنهجة التي تحدث يوميًا في غزة، قد ترغب الآن في التركيز على "المغامرة" التي نحن بصددها في البحر. هذا نتيجة تغذية الإعلام على الدراما لا على المأساة.

وإذا انجرفنا، نحن الداعمين للأسطول، مع هذا التيار، فسيتحول الأسطول من مكبر صوت يضخّم صوت غزة وينقله إلى العالم، إلى مجرد ضوضاء تطغى على صوت غزة. لذا لا بدّ لنا ونحن نُظهر عزمنا على كسر الحصار، أن نُقاوم أيضًا هذا التحول الخطير في التركيز والاهتمام. فمهمتنا، هي إعادة توجيه الكاميرات والأضواء نحو غزة عندما تتجه إلينا.

السؤال الذي يجب أن نطرحه هو: لماذا هذه السفن في البحر؟ والجواب لا يكمن في السفن نفسها بل في غزة. فهذا الأسطول ليس حدثا منفردًا بحدِّ ذاته، بل نتيجة فشل القانون الدولي، وموت ضمير الإنسانية، وتعطّل قنوات الدبلوماسية. علينا أن نُخبر العالم عن اليأس الذي دفع الأسطول إلى الإبحار، وليس عن الأسطول نفسه.

على سبيل المثال، لا يجب أن يُسأل المشاركون في الأسطول عن حال الطقس في البحر، وإذا طُرح مثل هذا السؤال، فيجب أن تكون الإجابة: "الطقس هنا صافٍ، ولكن في غزة أصبح مظلمًا إلى الأبد لعشرات الأطفال في غزة، لأنهم لا يحصلون على غذاء كاف ولا يجدون مستشفى يذهبون إليه." وغالباً ما يُوجَّه إليّ سؤال: «هل أنت خائف؟». في الواقع، خوفنا لا شيء مقارنة بالرعب الذي تعيشه أم تحتضن جثة طفلها الهامدة في خيمة على حدود رفح.

علينا نحن المشاركين في الأسطول وأنتم المتواجدين على البر ألا ننجرف وراء هذا التحول في الاهتمام وهذا الحماس الذي يبعدنا عن الهدف الرئيسي. إنّ ثباتنا وعزمنا يجب أن يتجسّدا في هذه اللحظة بالذات من خلال إعادة توجيه الأنظار، وبدعم من الأسطول، نحو غزة مجدّداً.

وبصفتي صحفياً يعنى بعمليات الاتصال ومشاركاً في الأسطول، أودّ التأكيد على أمر مهم: إذا أصبح لاهتمام منصبًّا فقط على الأسطول وما يرتبط به من أحداث، فإننا نقع في خطأ جسيم.

ومن الظلم إلقاء اللوم على وسائل الإعلام والجمهور وحدهم. فبصفتنا مناصرين لهذه القضية العادلة، علينا أن نراجع أنفسنا أيضا. فحماس الرحلة، والوداع عند الموانئ، وصعوبات البحر… كلّها، إذا لم نكن واعين، قد تبعدنا للحظة عن حقيقة معاناة غزة. حين يسبق العمل الهدف ذاته، يكون ذلك أول خطوة نحو الهزيمة.

نعم، سنُبقي الأسطول في دائرة الاهتمام، وسندعمه، ونقف خلفه، وسنمارس ضغوطًا كبيرة على الحكومات والمؤسسات لمنع أي تدخل محتمل. نحن متفقون على هذا. ولهذا السبب، لدينا طلب واحد منكم خلال هذه الرحلة: عندما ترون وجوهنا أو صور سفننا في وسائل الإعلام، أغمضوا أعينكم للحظة، وتخيلوا الدمار الذي نقف خلفه، للجثث المدفونة تحت الأنقاض، والأطفال الذين يبكون من الجوع. نحن مجرد وسيلة. وكل ثانية يركز فيها الاهتمام علينا تُسرق من وقت غزة وحقيقتها. علينا ألا نكسر الحصار فقط، بل ألا نحيد عن هدفنا أيضاً. فلنجعل هذه الرحلة انتصارًا على النسيان. فالأسطول ليس محور اهتمامنا، بل غزة.


#غزة
#أسطول الصمود
#سفن
#قوارب
#إيطاليا
#فلسطين
#الاحتلال الإسرائيلي
#تونس