إقليم بانجسامورو بين الأمس واليوم

11:2516/09/2025, Salı
تحديث: 16/09/2025, Salı
يني شفق
إقليم بانجسامورو المتمتع بالحكم الذاتي
إقليم بانجسامورو المتمتع بالحكم الذاتي

إقليم بانجسامورو المتمتع بالحكم الذاتي في مينداناو المسلمة: بين الأمس واليوم


بقلم زايرن


في الحقبة ما قبل الاستعمار في الفلبين، خطط المستعمرون الإسبان لغزو أراضي الشعب الفلبيني والسيطرة عليها. فقد سعوا إلى فرض هيمنتهم والاستيلاء على كل بيت وأرض وجزيرة وسائر الموارد التي يمكن أن يجنوها. غير أنّ ما لم يتوقعوه أنّ جزيرة مينداناو كانت تضم عدداً من السلاطين المسلمين. ورغم محاولاتهم، فشل الإسبان في إخضاع هذه السلاطين بشكل كامل. وقد أفرزت المقاومة العنيفة والطويلة الأمد إرثاً متجذراً من مقاومة المسلمين (المورو) للحكم الاستعماري.


من الاستقلال إلى التهميش


عقب استقلال الفلبين عام 1946 عن الاستعمارين الأمريكي والإسباني، جرى تصوير المسلمين بشكل متزايد باعتبارهم "متمردين". كما أدّت هجرة المسيحيين إلى مينداناو إلى تهجير مجتمعات المورو الواسعة.

وفي السنوات التالية، تعمّق التهميش الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمسلمين. وفي عام 1997، عقدت الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية، برئاسة مؤسسها سلامات هاشم، أول محادثات استكشافية رسمية بهدف وقف إطلاق النار وتمهيد الطريق لعملية سلام أكثر تنظيماً. وأسفرت هذه المحادثات عن توقيع اتفاق عام لوقف الأعمال العدائية.


بعد وفاة رئيس الجبهة سلامات هاشم، تولى الحاج مراد إبراهيم – نائب الرئيس للشؤون العسكرية حينها – قيادة الجبهة، وواصل نهج التفاوض مع الحكومة. وقد أثمرت جهوده عن توقيع اتفاق الإطار بشأن بانجسامورو عام 2012، الذي وضع الأساس لإنشاء كيان سياسي ذاتي جديد: بانجسامورو.


وفي عام 2014، وبعد استكمال جميع الملاحق والوثائق، جرى توقيع الاتفاق الشامل حول بانجسامورو، الذي عُد محطة تاريخية في مسيرة البحث عن حل عادل وكريم لقضية بانجسامورو. وأقرّ الطرفان بالهوية المميزة لشعب بانجسامورو وبمشروعية مظالمه، مؤكدين الالتزام المتبادل بمبدأ الاحترام المتكافئ داخل المجتمع السياسي.


تأسيس الإقليم ومرحلة الانتقال


كان من أبرز ملاحق الاتفاق الملحق المتعلق بالترتيبات والآليات الانتقالية، الموقَّع في 27 فبراير/شباط 2013 في كوالالمبور – ماليزيا، والذي نصّ على أن تكون هيئة بانجسامورو الانتقالية بقيادة جبهة تحرير مورو الإسلامية، لتكون الآلية الأساسية في مرحلة الانتقال.


وفي عام 2018، وقّع الرئيس رودريغو دوتيرتي القانون رقم 11054 المعروف بـ قانون بانجسامورو الأساسي، الذي أسّس رسمياً إقليم بانجسامورو المتمتع بالحكم الذاتي في مينداناو المسلمة. وعُيّن الحاج مراد إبراهيم رئيساً للوزراء بشكل مؤقت. وخلال نحو ست سنوات من قيادته، سُجِّلت إنجازات بارزة، أهمها خفض معدل الفقر من 55.9% عام 2018 إلى 29.8% عام 2021.


أزمة القيادة وخروقات الاتفاقيات


في 3 مارس/آذار 2025، أصدر الرئيس فرديناند ماركوس الابن قراراً بتعيين رئيس وزراء مؤقت جديد، مُقصياً الحاج مراد إبراهيم. وقد عُدّت هذه الخطوة خرقاً صريحاً لأحكام الاتفاقات السابقة، التي تؤكد بوضوح أن الهيئة الانتقالية يجب أن تكون بقيادة الجبهة.


ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ لم يلتزم الرئيس أيضاً بتعيين جميع المرشحين الـ41 الذين زكّاهم رئيس الجبهة للهيئة، حيث تم تعيين 35 منهم فقط، بينما اختار الرئيس 6 مرشحين من جانبه. هذا الانحراف عن الآلية المتفق عليها أثار تساؤلات جدّية حول التزام الحكومة الفلبينية بتعهداتها.


بات واضحاً أنّ الحكومة تعتمد أسلوب "فرّق تسد" في بانجسامورو، تُنفّذه بخطوات مدروسة، من خلال خرق الاتفاقيات، خصوصاً من قبل مكتب المستشار الرئاسي للسلام والمصالحة والوحدة برئاسة كارليتو غالفز الابن، والمساعد الخاص للرئيس أنطونيو لاغدامايو.


إن تقويض سلطة الحاج مراد إبراهيم – بصفته رئيس الجبهة ورئيس الوزراء المؤقت الشرعي – يُعد تجاوزاً خطيراً، واستبداله بشكل أحادي يمثل إهانة للاتفاقيات وخيانة لروحها.


التحديات المستمرة: التطبيع ونزع السلاح


لا تزال عملية التطبيع ونزع سلاح المقاتلين من أبرز التحديات التي تواجه الإقليم. ورغم كونها ركائز أساسية في اتفاق السلام، إلا أن بطء تنفيذها وعدم اتساقها يعرقلان الانتقال الكامل نحو الأمن والاستقرار.


فـ"التطبيع"، كما ورد في ملحق الاتفاق الشامل، يُعرّف بأنه عملية تتيح للمجتمعات الوصول إلى مستوى المعيشة المنشود، بما يشمل كسب سبل العيش المستدامة والمشاركة السياسية ضمن مجتمع يسوده السلم. أما "نزع السلاح" فيشمل انتقال مقاتلي قوات بانجسامورو الإسلامية المسلحة إلى حياة مدنية منتجة.


وفي 19 يوليو/تموز 2025، أصدرت الجبهة قراراً أشارت فيه إلى أنّها، ورغم استجابتها لطلب الحكومة بالشروع في نزع السلاح التدريجي، ظلت تذكّر بأن العملية يجب أن تتم "بشكل متوازٍ ومتناسب مع تنفيذ جميع الاتفاقيات". وأوضح إبراهيم أنّه من أصل 26,145 مقاتلاً جرى تسريحهم، لم يتمكّن أي منهم من الاندماج فعلياً في حياة مدنية منتجة، إذ لم تُقدَّم التعويضات والبرامج المقررة، ومنها مبلغ مئة ألف بيسو فلبيني لكل مقاتل.


الانتخابات البرلمانية الأولى: تحديات ومخاوف


مع اقتراب الانتخابات البرلمانية الأولى في بانجسامورو المقررة في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بدأت تبرز حملات دعائية مسيّسة تستهدف التشكيك في قانون الانتخابات الخاص ببانجسامورو الذي أقرته الهيئة الانتقالية. ويسعى بعض الأطراف، بدوافع سياسية، إلى نشر البلبلة والادعاء بأن القانون يحتاج إلى تعديلات، لاتخاذ ذلك ذريعة لتأجيل الانتخابات.


إن تأجيل الاستحقاق الانتخابي يعد انتهاكاً لتطلعات شعب بانجسامورو، الذي ناضل لعقود من أجل الحكم الذاتي. واليوم، بات الشعب أكثر إصراراً على ممارسة حقه في اختيار قيادته عبر نظام برلماني شرعي وتمثيلي.


إرادة الشعب


شعب بانجسامورو ليس مشوشاً كما يُراد تصويره، بل هو واضح في مطالبه: الاستمرار في مسار التنمية والاستقرار، وتثبيت الهوية، وحماية المصالح. وبأغلبية واسعة، يطالب بعودة رئيس الوزراء السابق الحاج مراد إبراهيم لمواصلة ما بدأه من تأسيس لسلام دائم وتنمية راسخة.


لقد خرجت حكومة بانجسامورو من مرحلة الانتقال، وأصبحت جاهزة للحكم. ومحاولات عرقلة المسار الانتخابي يجب أن تُفضَح وتُرفض. إن صوت الشعب هو الذي يجب أن يسود.

#إقليم
#حكم ذاتي
#الفلبين