صياد فلسطيني بغزة: قوات الاحتلال جعلت البحر يأخذ منا أكثر مما يعطينا

10:1427/11/2025, الخميس
تحديث: 27/11/2025, الخميس
الأناضول
صياد فلسطيني بغزة: قوات الاحتلال جعلت البحر يأخذ منا أكثر مما يعطينا
صياد فلسطيني بغزة: قوات الاحتلال جعلت البحر يأخذ منا أكثر مما يعطينا

رشاد الهسي: - اختطفت البحرية الإسرائيلية ثلاثة من أبنائي الثلاثة هذا الشهر أثناء الصيد والرابع فقدنا أثره في بدايات الحرب - كنا نملك 4 قوارب صيد كبيرة الحجم و10 قوارب صغيرة، دمرها القصف الإسرائيلي وأغرقها خلال الحرب - الصيادون يريدون تأمين قوت عائلاتهم، لكن البحرية الإسرائيلية تلاحقهم وتستهدفهم - لم يعد بإمكان الصيادين بعد الحرب إلا الإبحار لمئات الأمتار بعدما كانوا يبحرون لأميال ويعودون بكميات متنوعة من الأسماك



عند حافة الميناء البحري، غرب مدينة غزة، حيث ترتطم الأمواج بقوارب الصيد المحطمة، يجلس الصياد الفلسطيني المسن رشاد الهسي (81 عاما) متكئا على لوح خشبي مكسور، يتأمل البحر الذي رافقه منذ خمسينيات القرن الماضي.

وفي ذلك المكان الذي يتجمع فيه الصيادون كل صباح، تبدو آثار حرب الإبادة واضحة في كل اتجاه، دمار واسع يمتد على طول الميناء، ودخان أسود يعلو المكان، فيما لم ينج سوى عدد قليل من القوارب الصغيرة المهترئة.

وبهذه القوارب التي بالكاد تصلح للإبحار، يخاطر الصيادون بحياتهم مع كل فجر، مدفوعين بحاجتهم إلى لقمة العيش في ظل استمرار حظر إسرائيل دخولهم البحر، وحرمانهم من مصدر رزقهم الوحيد.


ملاحقة الصيادين

ولا يملك هؤلاء خيارا سوى المجازفة، إذ يغادرون إلى البحر فجرا حاملين معهم أملا ضعيفا بصيد بضع كيلوجرامات من الأسماك لبيعها لاحقا وسد رمق عائلاتهم.

ورغم اتفاق وقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل والذي دخلت مرحلته الأولى حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلا أن إسرائيل ما تزال تحظر الصيد في القطاع منذ بدئها حرب الإبادة في أكتوبر 2023.

وتعمد إسرائيل إلى ملاحقة الصيادين واعتقالهم، مانعة عنهم مصدر رزقهم الوحيد في ظل أوضاع اقتصادية كارثية.

وسط هذا المشهد القاسي، حيث يصارع الصيادون الأمواج والخطر في آن واحد، يحمل الصياد الهسي وجعًا مضاعفًا لا يشبه وجع أحد.

فإلى جانب الخراب الذي طال مراكبه ومصدر رزقه، فقد الرجل الثمانيني أبناءه الثلاثة الذين اختطفتهم البحرية الإسرائيلية في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أثناء بحثهم عن لقمة العيش في عرض بحر غزة.

ومنذ ذلك الحين يقضي نهاره في الميناء، يراقب القوارب العائدة وكأنه يُفتش بينها عن ملامح تشبه محمد وأحمد ومحمود، ومعهم زميلهم محمد طلبة، الذين اقتيدوا إلى جهة مجهولة دون أن يصل لعائلتهم أي خبر عن مصيرهم.

وقال الهسي للأناضول: "كانوا يمارسون الصيد فقط، لم يفعلوا أي شيء آخر، فقط يسعون وراء لقمة عيشهم".

وأضاف: "الصيادون لا يشكلون أي خطر على أحد، كل ما يريدونه هو تأمين قوت عائلاتهم، لكن البحرية الإسرائيلية تلاحقهم وتستهدفهم بالنيران والاعتقال، وتدمّر ما تبقى من قواربنا".

كان الصيادون الأربعة على بعد مئات الأمتار فقط من شاطئ غزة، وتحديدًا عند الحافة الغربية للميناء البحري الوحيد، حين داهمهم زورقٌ حربي واقتادهم إلى جهة غير معلومة، وفق الهسي.

ويتابع بحرقة: "لا نعرف سبب اعتقالهم، ولا نعلم أي شيء عنهم".


المآسي تتوالى

ولم تتوقف مأساة الهسي عند اعتقال أبنائه الثلاثة؛ فالعائلة فقدت أيضًا ابنًا رابعًا هو شادي الهسي (42 عامًا)، الذي اختفت آثاره في الشهر الثالث من حرب الإبادة، ولم يصلهم عنه منذ ذلك الحين أي خبر.

ذلك أحد فصول المعاناة التي عاشها الصياد ومعه أكثر من 2 مليون فلسطيني شهدوا أهوال حرب الإبادة التي بدأتها إسرائيل ضد قطاع غزة في 8 أكتوبر/ تشرين الثاني في 2023.

وقتلت إسرائيل خلال الإبادة التي استمرت عامين وانتهت باتفاق لوقف النار في أكتوبر الماضي، أكثر من 69 ألف فلسطيني، وأصابت ما يزيد عن 170 ألف آخرين، واعتقلت آلاف الفلسطينيين، من بينهم عشرات الصيادين

ومنذ أن التحق رشاد الهسي بالبحر في خمسينيات القرن الماضي، كان هذا الأخير بالنسبة له مساحة حياة، ففيه يبحر الصيادون لأميال، ويعودون محمّلين بأنواع متعددة من الأسماك، رغم ما كانوا يواجهونه أحيانًا من تضييق إسرائيلي.

ومع مرور الزمن تقلصت المساحات المسموح بها للصيد إلى نطاقات محدودة، لكنها – ورغم ضيقها – كانت أفضل حالًا مما آلت إليه الأوضاع بعد حرب الإبادة.

فاليوم تحظر إسرائيل دخول البحر بشكل شبه كامل، وتحول دون اقتراب الصيادين من مصدر رزقهم الوحيد، ليصبح البحر الذي كان يمنحهم الحياة مصدر خوف دائم، ومساحة لا يدخلونها إلا مخاطرين بأرواحهم.

وقال: "لم يكن الحال هكذا قبل الحرب، كان أفضل بكثير. يبحر الصيادون لمسافات طويلة، ويتعرضون لانتهاكات لكن ليست مثل اليوم".

وأضاف: "لم يعد بإمكان الصيادين بعد الحرب إلا الإبحار لمئات الأمتار بعدما كانوا يبحرون لأميال يعودون بكميات متنوعة من الأسماك".

وتابع: "كنا ننطلق بقواربنا من شواطئ غزة، ونبحر بها لأيام وأسابيع طويلة، حتى أننا وصلنا عدة مرات إلى بحر مدينة بورسعيد المصرية..".

** الخوف من الإبحار

ولم يتخيل الهسي يومًا أن يتحول البحر الذي علّم أبناءه الشجاعة، إلى "باب مفتوح على الخوف، يأخذ منهم أكثر مما يعطيهم".

وأكد أن "ملاحقة الصيادين وقتلهم واعتقالهم وتدمير قواربهم وتضييق المساحات البحرية، يترك تداعيات إنسانية خطيرة على عوائلهم".

وشدد على أن الصيادين لا يشكلون خطرا بالمطلق على الجيش الإسرائيلي، "وليس لديهم أي مصادر دخل أخرى، وتغييبهم يترك عوائلهم بلا طعام أو شراب".

وكان الهسي وأبناؤه يملكون 4 قوارب صيد كبيرة الحجم و10 قوارب صغيرة، دمرها القصف الإسرائيلي خلال الحرب، وأغرقها في عمق البحر بعدما كانت تبحر لمسافات طويلة قبل حرب الإبادة، تصل في بعض المناطق إلى 15 ميلًا بحريًا.

وأشار إلى أن كثيرًا من الصيادين باتوا يخشون الإبحار، بعد الاعتقالات الواسعة والضرب والإذلال، ومصادرة القوارب وإتلاف شبكات الصيد، وطالب بتوفير الحماية للصيادين من الاستهداف الإسرائيلي.

** قتل واعتقال

وخلال حرب الإبادة الإسرائيلية، دفع قطاع الصيد في غزة ثمنًا باهظًا؛ إذ قُتل 230 صيادًا بنيران الجيش في مناطق متفرقة من القطاع، من بين نحو 4500 صياد كانوا يعيلون عائلاتهم من هذه المهنة، وفق ما أفاد رئيس نقابة العاملين في الصيد والإنتاج البحري زكريا بكر.

وأضاف بكر للأناضول أن القوات الإسرائيلية اعتقلت 60 صيادًا آخرين خلال الحرب، بينهم 20 صيادًا بعد بدء وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما عمّق المأساة وأبقى آلاف العائلات بلا مصدر دخل أو حماية.

وخرقت إسرائيل اتفاق وقف النار، مئات المرات، وقتلت 342 فلسطينيا، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة السبت.




#الصيادين
#غزة
#معاناة الصيادين