أنقرة وواشنطن: تحديث الاستراتيجية الكبرى

08:478/08/2025, الجمعة
تحديث: 8/08/2025, الجمعة
يحيى بستان

من المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان. هذا اللقاء يحمل أهمية بالغة. فهل يُتوقع التوصل إلى اتفاق؟ ولماذا تلعب الولايات المتحدة هذه الورقة الآن؟ وما دلالة هذا التطور في سياق "الإستراتيجية الكبرى"؟ سأقدم تحليلًا وبعض المعلومات، لكن دعونا أولا نلقي نظرة شاملة على المشهد.يُعد ممر زنغزور مشروعاً حاسماً سيضع اللمسة الأخيرة على الديناميكيات الإقليمية المتغيرة بعد قره باغ. وهذا المشروع يحمل بصمة أنقرة وباكو، ويهدف

من المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان. هذا اللقاء يحمل أهمية بالغة. فهل يُتوقع التوصل إلى اتفاق؟ ولماذا تلعب الولايات المتحدة هذه الورقة الآن؟ وما دلالة هذا التطور في سياق "الإستراتيجية الكبرى"؟ سأقدم تحليلًا وبعض المعلومات، لكن دعونا أولا نلقي نظرة شاملة على المشهد.يُعد ممر زنغزور مشروعاً حاسماً سيضع اللمسة الأخيرة على الديناميكيات الإقليمية المتغيرة بعد قره باغ. وهذا المشروع يحمل بصمة أنقرة وباكو، ويهدف إلى ترسيخ مناخ السلام في المنطقة، وربط العالم التركي براً، كما يتوقع تأمين مسار نقل متواصل بين الصين وأوروبا. إنها خطوة استراتيجية كبرى.

لكن هناك خلاف حول من سيتولى إدارة الممر؛ فباكو ترغب في الحصول على حق السيطرة لتفادي المشاكل المستقبلية، بينما تصر يريفان على أنها صاحبة الأرض وأنها تملك حق التحكم فيها. من جهة أخرى، تنظر طهران إلى القضية على أنها الهدف النهائي لتفكيك إيران.


التنافس بين الفاعلين الدوليين على إدارة الممر

تجري يريفان وباكو محادثات سلام تشمل الممر. وقد وصل باشينيان إلى مرحلة لم يجرؤ أي زعيم أرمني على الوصول إليها، إذ يرغب في الانضمام إلى المناخ الذي ترعاه أنقرة وباكو، والاندماج مع الغرب. هناك خطوات قد يتخذها قبل الانتخابات أو يتردد في اتخاذها، لكنه يبقي خياراته مفتوحة.

لقد أسهم استقبال الرئيس أردوغان لباشينيان في إسطنبول الشهر الماضي في تسريع وتيرة التطورات. ثم جاء اللقاء في أبوظبي بين علييف وباشينيان، حيث نوقش ترسيم الحدود والالتزامات السياسية وممر زنغزور. فهل تحقق إنجاز ملموس؟ ليس تماماً. تفضل أذربيجان الحوار المباشر دون وساطة، إلا أن طول أمد المفاوضات يحول المنطقة إلى ساحة "توتر عالمي". فالأمور العالقة تجذب تدخل القوى الكبرى.

بعد يوم من اجتماع أبوظبي، قدمت روسيا عرضاً في إشارة إلى اتفاق 2022، معلنة استعدادها للمساهمة، وكأنها تقول "دعونا نسيطر على الممر". وبعد ثلاثة أيام، تدخلت الولايات المتحدة، حيث قال السفير الأمريكي في أنقرة، باراك، إن شركة أمريكية خاصة قد تتولى إدارة الممر. فما الهدف الحقيقي واشنطن؟ هل هو مجرد منع السيطرة الروسية المحتملة على الممر؟ هنا تكمن العقدة الحقيقية.


تغيّر الاستراتيجية الكبرى

تُقدم الولايات المتحدة، مع نضوج مفاوضات الممر، على تحديث استراتيجيتها الكبرى. هذه الخطة تحترم وجهة نظر أنقرة وباكو، لكنها تتجاوزها، محوّلة الممر إلى بؤرة توتر عالمية.

لأُوضّح لكم الأمر.. قال توماس باراك، في حديث لزميلتنا سنا ألكان من صحيفة "خبر تورك": "عندما تُحلّ قضية غزة، ستشهدون حينها إعادة هيكلة حقيقية في المنطقة. عندما توحّد تركيا، وإسرائيل، ودول الخليج، وسوريا، ولبنان، والعراق، والأردن، ومن ثم أذربيجان وأرمينيا شمالاً.. فإنكم ستشهدون ظهور أقوى منطقة في العالم." ولكن كيف سيتم ذلك؟ أشار باراك أيضًا إلى "إعادة تعريف إسرائيل". وهذا يعني إطارًا تتغير فيه إسرائيل، وتطبع المنطقة علاقاتها معها. وقرار مجلس الوزراء اللبناني هذا الأسبوع بشأن نزع سلاح حزب الله مرتبط بهذا الأمر.


تعارض اتجاهين في غزة

فلنفتح قوسًا ونسأل: كيف ستنتهي مشكلة غزة؟ هناك اتجاهان متصارعان يتبادلان الأوراق. الأول: يدعو إلى حل الدولتين ويتجسد في "إعلان نيويورك"، الذي وقعت عليه تركيا، والذي يدعو إلى الاعتراف بفلسطين (حيث تعهدت دول مثل فرنسا وبريطانيا بالاعتراف)، وتسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية، وتحقيق التطبيع في المنطقة. والثاني: توجه إسرائيلي أمريكي يتمثل في رغبة نتنياهو في احتلال وضم غزة وتهجير الفلسطينيين إلى دول ثالثة. ولحسن الحظ، فإن الدول الموقعة على إعلان نيويورك – الخليج، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية – التزمت بعدم قبول تطبيع العلاقات دون اعتراف بفلسطين وضم غزة إلى الإدارة الفلسطينية. دعونا نغلق القوس هنا ونواصل.

تحدث توماس باراك عن إطار "المنطقة الأقوى" ضمن استراتيجية أمريكية تهدف لبناء هيكل إقليمي وتركيز الجهود ضد الصين. انظروا ماذا حدث بعد ذلك مباشرة؟ نشرت رويترز الخبر التالي: "إدارة ترامب تناقش بنشاط مع أذربيجان إمكانية إشراك أذربيجان وبعض حلفائها في آسيا الوسطى في اتفاقيات إبراهيم".


الخطة التي ترسمها واشنطن

هذا يعني أن الولايات المتحدة، عندما رأت تقدمًا في ممر زنغزور، قامت بتحديث استراتيجيتها الكبرى. فمن خلال هذا الممر، ستربط البنية التي تحاول بناءها في الشرق الأوسط بآسيا الوسطى. وبذلك، ستتمكن واشنطن من مخاطبة أوراسيا الكبرى، بما في ذلك الشرق الأوسط، مع الولايات المتحدة في ظل التوتر بين واشنطن وبكين (وقد لا تبقى بكين وموسكو على نفس الخط.. سيلتقي ترامب وبوتين الأسبوع المقبل). وتعتقد واشنطن أنها لا تستطيع تحقيق ذلك إلا مع تركيا، نظرًا لقدرتها في الشرق الأوسط، وتأثيرها في الممر، وثقلها في آسيا الوسطى. ويمكننا الآن تفسير الاهتمام الأمريكي والأوروبي المتزايد بتركيا مؤخرًا عبر هذه "الاستراتيجية الكبرى المحدثة". وتتضاءل تدريجيًا أهمية قسد في هذا المشهد.

أعتقد أن هذه الخطة الكبرى تتبلور في أذهانهم. بالطبع تخيلها شيء، والقدرة على تنفيذها شيء آخر، فلكل دولة رؤيتها ومصالحها الخاصة. ويجب أن يتم تحديث هذه الاستراتيجية الكبرى وفق مصالح وتطلعات الدول، لا سيما تركيا، وإلا فلن تكون قابلة للتطبيق.

أما بالنسبة للقاء المرتقب في واشنطن بين ترامب وعلييف وباشينيان، فقد تداول الإعلام الأمريكي تساؤلات من قبيل: "هل سيتم التوصل إلى اتفاق؟" لا أعتقد أن هناك اتفاقًا نهائيًا بين أذربيجان وأرمينيا سيُوقع في واشنطن، لأن باكو ترفض تدخل أطراف ثالثة. ولكن من المحتمل أن يوقع القادة مذكرة تفاهم تعكس إرادة قوية لتطوير العلاقات. سنرى ما ستسفر عنه الأحداث.


#أنقرة
#واشنطن
#الاستراتيجية الكبرى
#أردوغان
#فلسطين
#غزة
#اتفاقيات إبراهيم