
ـ عفاف أبو عليا كانت تشارك عشرات العائلات الفلسطينية جني ثمار الزيتون في بلدة ترمسعيا برفقة متضامنين أجانب، في حقولهم التي تقع بمحيط مستوطنات إسرائيلية أبو عليا (53 عاما) للأناضول: ـ ظننت المستوطنين متضامنين أجانب. ضربوني على رأسي وظهري مرات عديدة حتى فقدت الوعي ـ هجوم المستوطنين جاء بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي الذي اعتدى علينا بقنابل الغاز المسيل للدموع
في المستشفى الاستشاري برام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، تتعالج الفلسطينية عفاف أبو عليا من جروح خطيرة أصيبت بها إثر هجوم عنيف نفذه مستوطنون متطرفون أثناء عملها بقطف ثمار الزيتون في حقول بلدة ترمسعيا شمال المدينة.
أبو عليا (53 عاما) تحاول إدراك الهجوم الذي تعرضت له في يوم كانت تنتظره بلهفة على مدى العام، ليتحول إلى مشهد مأساوي إثر ضربها بالعصي حتى فقدان الوعي.
وقع هذا الهجوم، الأحد، بينما كانت أبو عليا تشارك عشرات العائلات الفلسطينية جني ثمار الزيتون برفقة متضامنين أجانب، في حقولهم التي تقع بمحيط مستوطنات إسرائيلية.
من على سريرها تقول أبو عليا بصوت متعب عن مهاجمة المستوطنين لها: "ظننتهم متضامنين أجانب. ضربوني على رأسي وظهري مرات عديدة حتى فقدت الوعي".
وأكدت أن هجوم المستوطنين جاء بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي الذي اعتدى عليهم بقنابل الغاز المسيل للدموع.
وبشكل لافت، تصاعدت اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية مع حلول موسم قطف الزيتون الذي يصادف الثلث الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
ووفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية (حكومية)، نفذ المستوطنون 7154 اعتداء ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم بالضفة في عامي الإبادة بغزة "تسببت في استشهاد 33 مواطنا، وتهجير 33 تجمعا بدويا فلسطينيا"، كما أقاموا 114 بؤرة استيطانية.
** توثيق الهجوم
الأحد، تداول ناشطون فلسطينيون على منصات التواصل الاجتماعي، مقطعا مصورا يظهر أحد المستوطنين الملثمين وهو يعتدي على أبو عليا أثناء قطفها الزيتون في بلدة ترمسعيا.
وظهر هذا المستوطن في المقطع، وهو يحمل عصا ويهاجم أبو عليا بضربها مرارا على رأسها حتى سقطت أرضا، قبل أن يعتدي على اثنين من المتضامنين الأجانب بين أشجار الزيتون.
وفي حديث سابق للأناضول، قال عوض أبو سمرة، وهو شاهد عيان وناشط ضمن اللجان الشعبية في ترمسعيا، إن الحدث وقع في المنطقة الشرقية من البلدة.
وأضاف: "هاجمَنا المستوطنون أثناء قطف الزيتون ولاحقونا، لكن سيدة تأخرت قليلا فهاجمها المستوطن بالعصا وضربها على رأسها حتى أغمي عليها، ثم واصل الاعتداء على اثنين من المتضامنين في المكان ذاته، ما تسبب في كسر يد أحدهم".
** "ضربوني وضربوا أبنائي"
في حديثها للأناضول، قالت أبو عليا إنها أصيبت بالاختناق جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع والذي أطلقه الجيش الإسرائيلي صوبهم، قبل هجوم المستوطنين.
وأوضحت أنها لم تبرح مكانها آنذاك منتظرة وصول أقاربها إلى المنطقة التي كانت فيها، حيث لمحت وجود أشخاص غير معروفين اعتقدت بداية أنهم من المتضامنين الأجانب.
وتابعت: "تفاجأت بوجود المستوطنين. ضربوني بالعصي على رأسي وظهري مرات عديدة حتى فقدت الوعي".
وأوضحت أن المستوطنين أيضا اعتدوا بالضرب على أبنائها وأحرقوا مركبة العائلة، في موسم كانت تنتظره طوال العام.
وعن حالتها الصحية، أفادت أبو عليا أنها ما زالت تعاني من أوضاع متردية جراء إصاباتها في الرأس إثر ضربها "بعصي وأدوات حادة".
** هجوم آخر
كما ظهر الفلسطيني أيمن أبو عليا، وهو أحد أقارب المصابة "عفاف" في مقطع مصور آخر وثقه ناشطون، محاولا الفرار من مركبته بعدما هاجمتها مجموعة كبيرة من المستوطنين الملثمين في المنطقة ذاتها.
يقول أبو عليا في حديثه للأناضول: "بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الموقع ظننا أن الوضع بات آمنا وشرعنا في القطاف"، قبل أن تهاجم مجموعة من المستوطنين المكان.
وعقب الهجوم، توجه أبو عليا إلى مركبته في محاولة لإنقاذها من الحرق، إلا أن المستوطنين هاجموها وأعطبوا عجلاتها وحطموا زجاجها.
وعن ذلك يقول إن نحو 50 مستوطنا هاجموه ولاحقوا مركبته، واعتدوا عليه بالضرب محاولين سحبه منها، لكنه تمكن من الفرار عبر الباب الخلفي رغم إصابته برضوض، فيما أحرقوا المركبة بالكامل.
وأكد أبو عليا: "هذه أرضنا، والأرض كالعرض. لا نتخلى عنها رغم هذا العنف والاعتداء، سنعود لها ونقطف الثمار ولن نتركها للمستوطنين".
وبشأن الاعتداء على قريبته "عفاف"، أفاد أبو عليا أنها "حاولت الفرار ولكنها توجهت للاطمئنان على أبنائها، فهاجمها مستوطنون بالعصي وأدوات حادة، ما تسبب بإصابتها بجراح بالغة".
وأكمل أن قريبته "نجت من الموت، شباب ينهالون على سيدة بالضرب على رأسها، بقصد القتل".
وأشار إلى أن "عفاف" في الخمسينيات من العمر، ووفق توصية الأطباء نقلت إلى المستشفى الاستشاري بمدينة رام الله لتلقي العلاج، واصفا حالتها بأنها "مستقرة".
** "158 اعتداء منذ مطلع أكتوبر"
ومع بداية الموسم الحالي منذ مطلع أكتوبر الجاري، ارتكب الجيش الإسرائيلي والمستوطنون 158 اعتداء ضد قاطفي الزيتون بالضفة، وفق بيان لرئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان.
وذكر شعبان أن طواقم الهيئة رصدت 17 اعتداء نفذها الجيش الإسرائيلي، و141 اعتداء ارتكبها المستوطنون في مناطق متفرقة بالضفة.
وتنوعت الاعتداءات، وفق شعبان، بين الاعتداء الجسدي العنيف، وحملات الاعتقالات وتقييد الحركة ومنع الوصول والتخويف والترهيب بكافة أشكاله وإطلاق النار المباشر.
وعن توزعها الجغرافي، أفاد بأن محافظة نابلس (شمال) شهدت 56 اعتداء، فيما تعرضت رام الله (وسط) لـ51، بينما تم تسجيل 15 اعتداء بالخليل (جنوب)، فيما لم يشر إلى أماكن وقوع الاعتداءات الـ36 المتبقية.
وبين أن الاعتداءات على الأراضي المزروعة بالزيتون منذ بداية الموسم الحالي أدت إلى "تخريب ما مجموعة 795 شجرة".
ووصف هذا الموسم بأنه "الأصعب والأخطر في العقود الأخيرة"، إذ شهد إمعانا إسرائيليا في "فرض المناطق العسكرية المغلقة على الأراضي الزراعية".
وتأتي الاعتداءات بحق قاطفي الزيتون ضمن هجمات إسرائيلية متصاعدة بالضفة خلفت على مدى عامين ما لا يقل عن ألف و56 قتيلا فلسطينيا، ونحو 10 آلاف مصاب، فضلا عن اعتقال أكثر من 20 ألفا بينهم 1600 طفل.
وبدأت إسرائيل في 8 أكتوبر 2023، إبادة جماعية في غزة استمرت عامين، أسفرت عن مقتل 68 ألفا و229 فلسطينيا، وإصابة 170 ألفا و369 آخرين، وانتهت باتفاق وقف إطلاق نار دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الجاري.