ما طبيعة الهجوم الذي وقع في 15 تموز؟ وما الذي تضمّنه مخطط تقليص تركيا؟ ماذا حلّ بمن قالوا: "أسقِطوا أردوغان وأوقفوا تركيا"؟ وماذا يبشّر به "تحالف القدس"؟ وما معنى التركيز على "الأتراك والأكراد والعرب"؟

09:3715/07/2025, الثلاثاء
تحديث: 31/07/2025, الخميس
إبراهيم قراغول

ماذا حدث في 15 تموز/يوليو 2016؟ كيف تغيّر مجرى التاريخ؟ كيف تحوّلت تركيا من بلد كان على وشك التدمير إلى قوة عالمية؟ وإلى أي مدى استوعبنا نحن هذا "التحوّل التاريخي الكبير"؟ في تلك الليلة، تعرضت جمهورية تركيا، ولأول مرة منذ تأسيسها، لهجوم داخلي وخارجي في آنٍ واحد. لقد شهدت الأناضول عبر تاريخ الدولة العثمانية وما قبلها العديد من الانتفاضات، إلا أن ما حدث هذه المرة كان يتجاوز كل ذلك. كان يُنفَّذ على مشارف القرن الحادي والعشرين سيناريو يهدف إلى تمزيق الأناضول وتقليص تركيا. لم تكن محاولة انقلاب، بل هجوم

ماذا حدث في 15 تموز/يوليو 2016؟ كيف تغيّر مجرى التاريخ؟

كيف تحوّلت تركيا من بلد كان على وشك التدمير إلى قوة عالمية؟ وإلى أي مدى استوعبنا نحن هذا "التحوّل التاريخي الكبير"؟ في تلك الليلة، تعرضت جمهورية تركيا، ولأول مرة منذ تأسيسها، لهجوم داخلي وخارجي في آنٍ واحد.

لقد شهدت الأناضول عبر تاريخ الدولة العثمانية وما قبلها العديد من الانتفاضات، إلا أن ما حدث هذه المرة كان يتجاوز كل ذلك. كان يُنفَّذ على مشارف القرن الحادي والعشرين سيناريو يهدف إلى تمزيق الأناضول وتقليص تركيا.


لم تكن محاولة انقلاب، بل هجوم للإبادة!

لقد تم إدراك المساحة الكبرى التي كانت تُفتح أمام تركيا، فسارعوا إلى ملء هذا الفراغ قبل أن تكتمل ملامحه، وبدأوا بالتدخل في التاريخ المستقبلي للأناضول والمنطقة.


حدثت خيانة وطنية لا يكاد يوجد لها مثيل في تاريخ الشعوب، بل حتى في تاريخنا العريق الممتد لألف عام في الأناضول لم نشهد مثلها. وقد نُفّذ الهجوم بالتعاون مع جميع أعداء تركيا.


كان مهندسو المؤامرة وشركاؤهم في الداخل يخططون لإعادة رسم خريطة المنطقة، ويعلمون أن الشرط الأول لتحقيق ذلك هو إخراج تركيا من المعادلة.


لم تكن مجرد محاولة انقلاب، ولم تكن شبيهة بأي انقلاب سابق شهده تاريخ تركيا.


الدولة انهارت، المؤسسات انهارت، الاستخبارات أصبحت عمياء، والدبابات أغلقت الجسر!

تفككت الدولة، وتفككت مؤسساتها، وتشرذم الجيش، وانهارت أجهزة الاستخبارات، وتخلى المسؤولون عن مواقعهم واختفوا، بينما بدأ الأجانب يديرون العمليات من الداخل، وأُصيب الشعب بصدمة عارمة.


أُغلِق جسر البوسفور بالدبابات، ومنعت التنقلات بين الأناضول وأوروبا، وبدأ تنفيذ خطط إخلاء الضفة الأوروبية وتراقيا، وتحركت الطائرات الحربية، وبدأ قصف المؤسسات الحيوية، وارتُكبت مجازر بحق المدنيين.


كان المخطط يقضي بالقضاء على كل من يعارض، وتدمير الدولة والشعب، وإقامة دولة تابعة للتنظيم، وقطع الضفة الأوروبية عن الأناضول، وإخلاء الحدود الجنوبية، وتطبيق خريطة شبيهة بخريطة "سيفر" سيئة الذكر.


"أسقطوا أردوغان، أوقفوا تركيا"... "إذا سقطت تركيا، سقطت المنطقة"!

لم تكن المسألة تتعلق فقط بتنظيم غولن الإرهابي. لم تكن مجرد محاولة لإسقاط أردوغان. لم تكن مجرد محاولة لاستعادة هيمنة الأوليغارشية على مؤسسات الدولة. كان الشعار الذي يحركهم هو: "أسقطوا أردوغان، أوقفوا تركيا".


كانت هناك خريطة قيد الإعداد، تستند إلى محور تركيا والمنطقة. كان من يعتقد أن "سقوط تركيا يعني سقوط المنطقة" يُطبّق أفظع سيناريو لطالما حذّرنا منه.


تحركت مجموعة من داخل الجيش التركي بالتعاون المباشر مع أجهزة استخبارات أمريكية وإسرائيلية وأوروبية، فهاجموا الوطن والدولة والشعب. قصفوا شعبهم ووطنهم بالدبابات والطائرات، وضربوا مؤسساتهم الأمنية والمدنية.


كان المشهد شبيهًا بغزو الأناضول بعد الحرب العالمية الأولى، لكن بأيدٍ تركية هذه المرة!


التاريخ يتغير بأمرٍ واحد، بقائد واحد، بجملة واحدة. هكذا تُصنع القرون.

لأول مرة، تنتقل الجمهورية التركية، التي كانت تُدار من قبل فئة امتيازية منذ تأسيسها، إلى يد الشعب. وكان الغرب مدركًا لخطر هذا التحوّل.


كانوا يعلمون أن هذه الإرادة وهذا الجين السياسي قادران على تأسيس إمبراطوريات، وأنه رغم مرور قرن على سقوط الدولة العثمانية، ما زال هذا الطموح حيًا.


قُبيل منتصف الليل، بدت الآمال قد تبخرت. بدأوا بإصدار بيانات تقول إن "الانقلاب نجح". كنا نعلم أن المسألة لن تقف عند انقلاب، بل أن البلاد ستُقسّم، وأن اليوم التالي سيشهد تنفيذ الأجندة الموضوعة.


لكن التاريخ أحيانًا يتغير بشخص واحد، بجملة واحدة، بخيار واحد. وهكذا تُصاغ القرون.


ما الذي دفع مئات الآلاف للخروج إلى الشوارع في تلك الليلة؟ إنه الجين السياسي الذي أسس إمبراطوريات!

هكذا كان الأمر. بدعوة واحدة من الرئيس رجب طيب أردوغان، خرج مئات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع، من أقصى شرق تركيا إلى أقصى غربها، وتوجهوا عُزّلًا نحو الدبابات والطائرات والرصاص.


مشهد رجل واحد يقف بجسده أمام دبابة ثبتًا لم يُشاهد كثيرًا في تاريخ الشعوب، وشهدنا مئات من هذه المشاهد في تلك الليلة.


آنذاك، وقع الصدمة على المتآمرين أنفسهم. كيف خرج مئات الآلاف من الناس، من دون تنسيق، وتحركوا بهذه السرعة وهذه العزيمة؟


هنا كان السر. ولم يدركوه أبدًا. ولن يدركوه. لا يمكن فهم ذلك إلا لمن يفهم الجين السياسي لشعب بنى أعظم الإمبراطوريات في التاريخ.


سلّموا الدولة لأهلها ثم انسحبوا بهدوء.

في منتصف الليل تم صدّ الهجوم. تحرك أبناء الوطن كجيش خلف أردوغان، وأنقذوا تركيا. خاضت تركيا معركة استقلال جديدة، وهزمت التهديدات الداخلية والخارجية، وحققت ذلك عبر "جيوش مدنية". لم يشهد العالم مثالًا آخر مشابهًا. أبطال تلك الليلة سلّموا الدولة لأهلها، وشيّعوا شهداءهم، وانسحبوا بصمت إلى زواياهم.


أدركنا حينها أن لدينا، إلى جانب الدولة والمؤسسات والجيش والشرطة والاستخبارات، جيوشًا خفية لا تُرى. رأينا ذلك في تلك الليلة.


المفاجأة الحقيقية بدأت بعد ذلك… كيف تحولت تركيا إلى قوة عالمية خلال 9 سنوات؟

من جاءوا لتمزيق تركيا هم من عاشوا المفاجأة الكبرى لاحقًا. بدأ تفكك قوى غولن و"بي كي كي" وأوروبا وإسرائيل وأمريكا من الداخل. وحدث ذلك فعلًا، واحدًا تلو الآخر، بتوقيت دقيق.


الذين وقفوا إلى جانب التدخل الخارجي في تلك الليلة، لا يزالون يحاولون إسقاط تركيا من الداخل. لكن، للأسف، لم يستوعب المجتمع بأكمله حجم هذه المعركة. استُخدم مفهوم الكمالية، والانتماء إلى حزب الشعب الجمهوري، والقومية الكردية، وروح الانتقام من تنظيم غولن كأدوات لتسميم الشعب.


لكن تركيا، بعد 15 تموز، انتقلت من الدفاع إلى الهجوم، وهذا لا يمكن وقفه. الجين السياسي التاريخي الذي تحرك بعد الهجوم عبر عملية "درع الفرات" حوّل تركيا خلال تسع سنوات إلى قوة عالمية.


ماذا لو لم يكن أردوغان موجودًا تلك الليلة؟!

من ليبيا إلى قره باغ، ومن شمال العراق إلى سوريا، ومن المحيط الهندي إلى شرق المتوسط، من مواجهة إسرائيل إلى أن تصبح أملًا للدفاع عن أوروبا، من تطهير بقايا الاستخبارات في الداخل إلى دفع "بي كي كي" إلى ترك السلاح… في كل هذا، تعززت القوة المركزية للدولة، وأذهلت تركيا العالم بخطواتها الجيوسياسية.


تركيا التي أرادوا تدميرها في 15 تموز، أكملت تأسيسها، ودخلت مرحلة النهوض، وبدأت عهد القوة الإقليمية والعالمية. أغلق القرن العشرين، وظهرت "مفاجأة القرن الحادي والعشرين: تركيا".


لو لم يكن أردوغان موجودًا في تلك الليلة، لكانت تركيا قد تمزقت وتلاشت، وأُخرجت من معادلة القرن الحادي والعشرين، وحُوّلت إلى "ثكنة" تابعة للغرب، وأُقيمت دولة شبيهة بالفاتيكان في الجانب الأوروبي من إسطنبول، وقُطع الجنوب الشرقي عن الأناضول بالكامل.


ظهور قوة كبرى مثل السلاجقة والعثمانيين…

الآن، بينما تضعف أوروبا وتتحول أمريكا من العالمية إلى الإقليمية، باتت تركيا واحدة من أقوى القوى التي تعيد تشكيل المجال العالمي.


من لا يفهم هذه الأيام، لن يستطيع التنبؤ بتاريخ الغد. ومن لا يدرك الماضي وجيناته السياسية، لن يدرك الطريق الذي تسير فيه تركيا اليوم.


في الواقع، يجري الآن تأسيس أمر أعظم بكثير من ظهور السلاجقة والعثمانيين على مسرح التاريخ. نحن لا ننقذ الحاضر فقط، بل نبني المستقبل.


ما الذي تبشّر به عبارة "تحالف القدس"؟ وما معنى تأكيد أردوغان على "الأتراك والأكراد والعرب"؟

العبارات التي استخدمها الرئيس أردوغان في كلمته يوم السبت في كيزيلجاهام ليست عبارات اليوم، بل هي عبارات المستقبل. سنشهد تأثيرها الإقليمي لاحقًا، ولا سيما تأكيده المتكرر على "الأتراك والأكراد والعرب".


حين قال: "اليوم، تُشكّل روح ملاذكرد، وتحالف القدس، ونواة حرب الاستقلال من جديد. فجر تركيا القوية والكبيرة بدأ بالانبلاج"، فلن يفهم أولئك الذين أُسروا بالعمى السياسي هذه الكلمات، لكن التاريخ سيسجّل شيئًا آخر. سيسجّلها كما سُجّلت كلمات الفاتح، والسلطان سليم، والسلطان سليمان القانوني.


لأن هذه الكلمات تشير إلى ذروة القفزة التاريخية الكبرى التي بدأت بعد 15 تموز. إنها لا تتحدث عن الأناضول فحسب، بل عن توقيع تركيا على تاريخ المنطقة بأكملها.


نحن نشهد بناء "القوة العظمى الثالثة".

هذه الكلمات تُبشّر بخطوات ستشكّل مستقبل المنطقة كما تشكّل مستقبل تركيا. إنها تماثل قيام الأتراك بإنقاذ الخلافة العباسية وتوحيد العالم الإسلامي.


هذه العبارات القوية تتشكل من مجرى التاريخ. لا يمكن إيقاف هذه الموجة بالمعارضة الداخلية. إنها عاصفة ستُنْسى كل من وقف في وجهها في صفحات التاريخ الخاطئة.


لأن جمهورية تركيا أنهت مرحلة "التأسيس"، وبدأت فعليًّا مرحلة "النهوض". نحن نشهد بناء "القوة العظمى الثالثة" في الألف سنة الأخيرة.


وهذا المسار لا يمكن إيقافه.

سيشهد العالم صعود قوة كبرى جديدة تشبه السلاجقة والعثمانيين. سيتم الآن تسوية حسابات الحرب العالمية الأولى.


صدقوا أو لا تصدقوا، لقد عاد كل من التاريخ والجغرافيا إلى حوضهما الطبيعي. انظروا كيف اختفى أولئك الذين قاوموا هذا التحول في السنوات التسع الماضية، وسيحدث الأمر ذاته بعد الآن.


لأن هذه العاصفة قدر، ولا يمكن إيقافها. هذا هو مجرى التاريخ.

#انقلاب 15 تموزيوليو
#15 تموز يوم الديمقراطية والوحدة الوطنية
#أردوغان