
هل يمكن الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة وتحويله إلى سلام دائم؟ أولاً، من المناسب إلقاء نظرة على هيكل هذا الاتفاق المكون من 20 بنداً.
يتضح على الفور أن وقف إطلاق النار في غزة يفتقر إلى أساس قانوني وضمانات حقيقية. والسبب الرئيسي في ذلك هو أن هذا الاتفاق لم يمر عبر هندسة دبلوماسية متقنة. فثنائي ترامب وكوشنر يمتلكان عقلية اقتصادية بالكامل، ولا يتمتعان بالنظرة التي تُفعّل أدوات الدبلوماسية والقانون وما شابه. إنهما يتصرفان بعجلة، وأذهانهما مشغولة بالأموال الهائلة التي ستُجمع من غزة. كما أنهما يتبعان إلى حد ما منطق “النتيجة ستأتي لاحقاً”. وبسبب ذلك، تحتوي بنود الاتفاق على فراغات كبيرة.
هناك بعض النقاط الحرجة التي يجب توضيحها. أولاً، مسألة إخراج سكان غزة من المدينة، على عكس توقعات العناصر المتطرفة الإسرائيلية، قد تم تعليقها على الأقل في الوقت الراهن. الفاشيون الإسرائيليون يريدون ذلك فوراً، لكن هذا لن يحدث في الأمد القصير على الأقل. فالأردن ومصر لم يتم إقناعهما بذلك بعد. علاوة على ذلك، فإن مثل هذا التهجير سيؤجج ردود الفعل العالمية ضد إسرائيل ويضعها في موقف لا تستطيع التعامل معه. لذلك، أجل المسؤولون الإسرائيليون هذا المخطط غير الإنساني مؤقتاً، ويبدو أنهم قبلوا - ولو عن غير قصد - مقترحات الولايات المتحدة والدول الغربية بتمديد الفترة الزمنية للتهجير. الخطة الحالية تنص على أن يتم بناء هيكل في غزة يجعل السكان الذين يعيشون في الخيام، ويعانون من البطالة وفقدان ممتلكاتهم بطرق مختلفة، عاجزين عن البقاء، وبالتالي سيضطرون لمغادرة غزة بأنفسهم.
النقطة الأخرى تتعلق بمستقبل حركة حماس، إذ أن معظم سكان غزة هم في الواقع من أنصار حماس. فكما أن استمرارهم في غزة يعني استمرار حماس، فإن نزع سلاح التنظيم، وهو أمر بالغ الصعوبة، لن يحقق شيئاً. حتى لو تم ذلك، فإن مجموعة أخرى أكثر خبرة ستأخذ مكانها.
الخطة لا تتضمن أي اقتراح يخفف من معاناة سكان غزة أو يوفر لهم حياة إنسانية كريمة. ولا ينبغي الانخداع بمحاولات المساعدات الطارئة، فهي لا تهدف إلى تهجيرهم، بل إلى تركهم في وضعهم الراهن. في الواقع، تعمل إسرائيل على منع وصول هذه المساعدات بشكل كامل، وهو ما يخالف مبادئ الاتفاق، ومع ذلك لا يوجد من يوقف إسرائيل.
من الأمور التي تشير إلى هشاشة وقف إطلاق النار، أن الحصار الخانق على غزة لم يتغير بأي شكل من الأشكال. المشكلة الأساسية التي أدت إلى هذه الحالة هي الحصار الإسرائيلي الطويل، وليس مجرد انسحاب الجيش من غزة. والمسألة الحقيقية هي ما إذا كان الحصار سيستمر، ويبدو أن الحصار سيستمر تحت أي ظرف، بل بشكل أكثر صرامة هذه المرة. وعلى الرغم من عدم ذكره في الخطة، بدأت إسرائيل ببناء جدران خرسانية على طول خطوط انسحابها، أي أنها توحي بعدم نيتها الانسحاب فعلياً.
النقطة الحساسة الأخرى تتعلق بـ”قوة الاستقرار”. أعلنت جمهورية تركيا بشكل واضح وصريح استعدادها لإرسال قوات إلى هذه القوة. وقد أثار هذا الإعلان غضب إسرائيل. فهي تخشى أن تحل تركيا محل النفوذ الإيراني الذي تم صدّه في سوريا وقمعه في لبنان. والصراع في سوريا مستمر، واحتمال وصول الجنود الأتراك إلى أراضي غزة يثير غضب إسرائيل بشدة.
بالنسبة للدول الأخرى، يمكن النظر إلى مصر كخيار معقول، فهي كانت مسؤولة عن غزة حتى عام 1967، وهي الأقرب إلى القطاع. أما الدولة الأخرى فهي إندونيسيا، ولا يمكن التنبؤ بكيفية رد الولايات المتحدة على ذلك، خصوصاً مع العلاقات الوثيقة بين إندونيسيا والصين، فهل سيُنظر إلى ذلك على أنه تدخل صيني غير مباشر في الشرق الأوسط؟
بالنظر إلى العلاقات الوثيقة بين الدول، فمن غير المحتمل أن تعارض إسرائيل مشاركة الجيش الأذربيجاني في قوة الاستقرار، لكن إشراك تركيا قد يؤدي إلى خلق محور ثقيل تركي داخل القوة، وكيف ستتفاعل إسرائيل مع ذلك، لا يمكن التكهن به بدقة. الإمارات العربية المتحدة قد تكون مرشحة أخرى.
السعودية تتراجع حالياً، وقطر دولة أخرى ذُكرت في السياق.
الخلاصة أن قوة الاستقرار ستضم التركيز التركي والعربي، ولا يكفي النظر فقط إلى رد فعل إسرائيل. من غير المرجح أن تقبل مصر والإمارات والسعودية والأردن مشاركة تركيا بشكل كامل في غزة. إضافة إلى ذلك، وجود تركيا وقطر في غزة يعني دعم جماعة الإخوان وحماس، وهذا أمر لا ترغب به مصر والإمارات على الأقل بقدر رغبتها إسرائيل.
بالتالي، لا يوجد أفق مشرق لغزة وسكانها… الأيام الصعبة مستمرة.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة