"ردع العدوان".. محطات من المعركة التي أسقطت نظام الأسد وغيّرت المشهد السوري

16:4327/11/2025, Perşembe
تحديث: 27/11/2025, Perşembe
أخرى
"ردع العدوان".. محطات من المعركة التي أسقطت نظام الأسد وغيّرت المشهد السوري
"ردع العدوان".. محطات من المعركة التي أسقطت نظام الأسد وغيّرت المشهد السوري

العملية، التي صيغت بداياتها كـ “ضربة استباقية" ضد مواقع النظام السوري والمليشيات الداعمة له، تحولت تدريجيًا إلى نقطة كسر للتوازنات العسكرية والسياسية التي حكمت المشهد السوري، وأعادت رسم خريطة السيطرة في البلاد خلال 12 يومًا فقط.

في صباح 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بدا شمال غربي سوريا كأنه يدخل يومًا عاديًا من الجمود على خطوط التماس المعتادة، قبل أن تنقلب الصورة خلال ساعات قليلة. فقد أعلنت فصائل المعارضة السورية المسلحة عن إطلاق عملية عسكرية واسعة حملت اسم "ردع العدوان"، انطلقت من جبهات إدلب وريف حلب الغربي، لتتحول خلال أقل من أسبوعين إلى حملة عسكرية غير مسبوقة انتهت بسقوط دمشق وانهيار حكم عائلة الأسد بعد أكثر من نصف قرن.

هذه العملية، التي صيغت بداياتها كـ “ضربة استباقية" ضد مواقع النظام السوري والمليشيات الداعمة له، تحولت تدريجيًا إلى نقطة كسر للتوازنات العسكرية والسياسية التي حكمت المشهد السوري منذ اتفاق "خفض التصعيد" التركي الروسي في مارس/آذار 2020، وأعادت رسم خريطة السيطرة في البلاد خلال 12 يومًا فقط.


سياق معقد: محاولات تعويم النظام وتطبيع إقليمي ودولي

جاء الإعلان عن "ردع العدوان" في لحظة سياسية بالغة الحساسية؛ إذ كان النظام السوري قد بدأ يستعيد حضورًا في المحيط العربي، مع مساعٍ حثيثة لإعادة دمجه في المنظومة الإقليمية, في المقابل كانت عدة دولة دعمت المعارضة لسنوات تتجه نحو مسار من التطبيع أو على الأقل تخفيف حدّة الخصومة مع دمشق.

على الضفة الأخرى، كانت واشنطن تتحدث عن مقاربات جديدة من نوع "تغيير السلوك" و"خطوة مقابل خطوة"، بينما انشغلت روسيا في حرب أوكرانيا، ما أضعف حضورها الميداني المباشر، في الوقت الذي تعرّض فيه حليف النظام الأبرز، حزب الله اللبناني، لضربات موجعة من قبل إسرائيل، انعكست على قدرة طهران وأذرعها على تثبيت خطوط الدفاع في سوريا.

في ظل هذا السياق، بدت احتمالات عمل عسكري واسع للمعارضة بعيدة عن حسابات كثيرين، بما في ذلك شرائح من السوريين أنفسهم، رغم ما تسرّب من تسريبات "مقصودة" عن قرب بدء عملية كبيرة، بقيت في نظر الكثيرين أقرب إلى الحرب النفسية منها إلى خطة فعلية.


بداية العملية وأهدافها المعلنة: ما وراء "الضربة الاستباقية"

مع ساعات الفجر الأولى من 27 نوفمبر، أعلنت فصائل المعارضة في إدلب وريف حلب الغربي عن بدء عملية "ردع العدوان"، مع تشكيل ما عُرف بـ “إدارة العمليات العسكرية" كغرفة قيادة مشتركة، ضمّت فصائل عدّة من أبرزها هيئة تحرير الشام، والجبهة الوطنية للتحرير، وحركة أحرار الشام، إضافة إلى مجموعات من الحزب التركستاني.

الناطق باسم غرفة عمليات "الفتح المبين"، حسن عبد الغني، لخّص الأهداف في أربع نقاط رئيسية:


كسر مخططات النظام عبر ضربة استباقية لمواقع مليشياته، الدفاع عن المناطق الخارجة عن سيطرته في الشمال الغربي، إبعاد الخطر العسكري عن المدنيين والمهجّرين، والعمل في النهاية على تهيئة الظروف لعودة هؤلاء المهجّرين إلى مناطقهم، عبر دفع خطوط نفوذ النظام والمليشيات بعيدًا عن إدلب وريف حلب.

لكن ما حدث لاحقًا تجاوز بكثير سقف الأهداف التقليدية المعلنة، إذ تحوّلت العملية من ردّ على "تصعيد وقصف مدنيين" في ريف حلب الغربي إلى مسار متدحرج قلب معادلات الجغرافيا والسيطرة.


اليوم الأول والثاني: اختراق واسع في ريف حلب الغربي

في اليوم الأول للعملية، فوجئ النظام بسرعة انهيار مواقعه على أكثر من محور في ريف حلب الغربي، حيث أعلنت المعارضة السيطرة على 32 قرية ونقطة عسكرية في ساعات محدودة. هذا التقدّم فتح الباب أمام لحظة مفصلية في اليوم الثاني 28 نوفمبر، مع سقوط مقر الفوج 46 وبلدة خان العسل الإستراتيجية بيد المعارضة، وانتقال المعارك إلى محيط الطريق الدولي "حلب–دمشق".

سيطرة المعارضة على هذه المواقع، إلى جانب مهاجمة مطار النيرب شرقي حلب حيث تنتشر تشكيلات موالية لإيران أدت عمليًا إلى قطع شريان استراتيجي للنظام، وعزل حلب عن عمقها العسكري نحو الجنوب.

النظام السوري ردّ بإرسال تعزيزات واسعة إلى مدينة حلب، وأعلنت وزارة الدفاع آنذاك أن قواتها "تتصدى للهجوم وتكبّد المهاجمين خسائر كبيرة"، في حين تحدّثت المعارضة عن مقتل أكثر من 200 عنصر من قوات النظام والمليشيات، وأسر ما لا يقل عن 20، والاستيلاء على دبابات وآليات، مقابل خسارة أكثر من 100 مقاتل من صفوفها.

في نهاية اليوم، كانت حلب أمام مشهد جديد: المعارضة تعلن سيطرتها على قلعة حلب، والجامع الأموي، ومبنى المحافظة، والقصر البلدي، ومقر قيادة الشرطة، إلى جانب مدينة سراقب الاستراتيجية في إدلب عند تقاطع طريقي حلب–دمشق واللاذقية–حلب .دخول المعارضين إلى المدينة "دون مقاومة تُذكر"، كما نقل مراسلون ميدانيون، ترافق مع إغلاق مطار حلب وانسحاب سريع لقوات النظام التي طُلب منها تنفيذ ما وصفته مصادر عسكرية بـ"انسحاب آمن".


من حلب إلى إدلب وحماة: تحوّل المعركة إلى جبهة متعددة المحافظات

مع اتساع رقعة السيطرة في حلب وإدلب، دخلت روسيا بثقل أكبر عبر سلاح الجو، معلنة قصف مواقع للمعارضة وقتل 200 مقاتل في يوم واحد في ريفي حلب وإدلب لكن الضغط الجوي لم يوقف دينامية التقدّم على الأرض.

اليومان الرابع والخامس للعملية (30 نوفمبر/تشرين الثاني والأول من ديسمبر/كانون الأول) شكّلا امتدادًا طبيعيًا للمكاسب السابقة إذ تمكنت "إدارة العمليات المشتركة" من السيطرة على مواقع عسكرية كبيرة في ضواحي حلب الغربية وجنوب غرب المدينة، من بينها الأكاديمية العسكرية، ومدرسة المدفعية، ومطار كويرس والكلية الجوية، ومعامل الدفاع قرب السفيرة، وقاعدة جبل عزان التي كانت تعدّ مركزًا رئيسيًا للحرس الثوري الإيراني وحلفائه من حزب الله وحركة النجباء العراقية.

بهذه التطورات، خرجت حلب للمرة الأولى منذ سنوات عمليًا من يد النظام، باستثناء بعض الأحياء التي بقيت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.


انتقال المعارك إلى حماة: انهيار متسارع لخطوط النظام

في اليوم السادس (2 ديسمبر/كانون الأول)، بدأت ملامح تمدد العملية نحو عمق الوسط السوري، الغارات الجوية السورية والروسية على إدلب والشمال الغربي خلفت عشرات القتلى المدنيين بحسب "الخوذ البيضاء" لكن المعارضة وسّعت المعركة لتشمل محافظة حماة، مستهدفةً خطوط الدفاع الأولى عن المدينة في مناطق مثل جبل عابدين، ومحاور الجبين وتل ملح والجلمة في الريف الشمالي الغربي.

خلال اليومين السابع والثامن، أعلنت "إدارة العمليات" السيطرة على حلفايا ومعردس وطيبة الإمام ومستودعات السلاح في منطقة خطاب، إلى جانب اللواء 87 قرب حماة، مع استمرار التقدم على أكثر من محور وسط انهيارات متتالية في صفوف قوات النظام. وفي الرابع من ديسمبر، قالت المعارضة إنها باتت تسيطر على معظم مدينة حماة بعد إعادة انتشار قوات النظام خارجها، وهو ما أكدته وزارة الدفاع السورية من زاوية مختلفة، معتبرة أن الخطوة جاءت "حفاظًا على حياة المدنيين".

في اليوم التاسع (5 ديسمبر)، أعلنت المعارضة إحكام قبضتها على مدينة حماة كاملة، بما في ذلك مطارها العسكري وسجنها المركزي ومبنى قيادة الشرطة، بينما تحدثت تقارير عن انسحاب منظم لوحدات الجيش السوري إلى خارج المدينة.

محور حمص: بوابة الوسط السوري تتصدع

اليوم العاشر (6 ديسمبر/كانون الأول) مثّل انتقالًا نوعيًا جديدًا، مع اتساع العمليات باتجاه محافظة حمص، فقد أعلنت المعارضة السيطرة على مدينتي الرستن وتلبيسة، اللتين كانتا لسنوات طويلة عنوانًا للحراك المناهض للنظام، وتُعدّان المدخل الشمالي الأساسي إلى حمص.

سلاح الجو السوري والروسي حاول إبطاء التقدم عبر قصف جسر الرستن ومحيط المدينة بعد إعلان المعارضة دخولها، في حين أرسلت قوات النظام تعزيزات وانتقلت إلى تنفيذ عمليات وصفتها وكالة "سانا" الرسمية بـ"النوعية" في محيط الدار الكبيرة وتلبيسة والرستن.

رغم ذلك، أعلنت "إدارة العمليات العسكرية" لاحقًا السيطرة على آخر قرية عند تخوم حمص، مع توجيه "نداء أخير" لقوات النظام في المدينة للانشقاق الجماعي باتجاه حماة، في إشارة إلى حالة تفكك واسعة في البنية العسكرية للنظام.


الجنوب السوري يدخل على الخط: درعا والسويداء والقنيطرة

بالتوازي مع توسع المعارك في الشمال والوسط، تشكّلت "غرفة عمليات الجنوب" في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، معلنةً قطع طرق الإمداد عن قوات النظام داخل درعا، والسيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وهو ما دفع عمّان إلى إغلاق معبر جابر المقابل، لأسباب أمنية.

غرفة العمليات أعلنت سريعًا أنها باتت تسيطر على 80% من محافظة درعا، وعلى مواقع حساسة في السويداء، من بينها مبنى قيادة الشرطة وسجن، بالإضافة إلى اغتنام دبابات وانشقاق 250 عسكريًا عن قوات النظام في الوقت نفسه، كانت قوات سوريا الديمقراطية تتسلم مركز محافظة دير الزور ومطارها العسكري بعد انسحاب وحدات النظام، مع تقارير عن سيطرة "قسد" على معبر البوكمال الحدودي مع العراق.


اليوم الحادي عشر: سقوط أربع مدن في يوم واحد

في 7 ديسمبر/كانون الأول، اليوم الحادي عشر للمعركة، أعلنت المعارضة أنها تمكنت من "تحرير" أربع مدن خلال 24 ساعة درعا، القنيطرة، السويداء، وحمص، بالإضافة إلى مدن ومناطق أخرى في المحافظة ذاتها، كما أعلنت السيطرة على سجن حمص المركزي وإخراج أكثر من 3500 سجين منه.

مصادر في المعارضة تحدثت عن انسحاب عشرات الآليات العسكرية التابعة للنظام من حمص، مع إخلاء فرع الأمن السياسي في المدينة، بينما غادر قادة عسكريون وأمنيون بارزون عبر مروحيات من قاعدة الشعيرات باتجاه الساحل السوري.


اليوم الثاني عشر: دخول دمشق وسقوط النظام

مع ساعات فجر اليوم الثاني عشر (8 ديسمبر/كانون الأول)، أعلنت "إدارة العمليات" بدء التوغّل في محيط دمشق، وسط أنباء عن انسحاب وحدات النظام من محاور عدّة حول العاصمة وخلال الساعات التالية، ذكرت مصادر معارضة أنها سيطرت على سجن صيدنايا وسجن النبك، وأطلقت سراح معتقلين منهما، قبل أن تُعلن دخول قواتها إلى وسط المدينة.

مع التقدم داخل العاصمة، أعلنت المعارضة السيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون، وبدأت مآذن مساجد دمشق ترفع التكبيرات، في مشهد رمزي يعكس لحظة الانهيار وتحدّثت مصادر عن انسحاب ضباط وعناصر من وزارة الدفاع ورئاسة الأركان، بالتزامن مع أنباء عن مغادرة الرئيس بشار الأسد البلاد مع أسرته قبل وصول مقاتلي المعارضة إلى قلب العاصمة، كما ذكرت صحف غربية آنذاك.

عند السادسة صباحًا تقريبًا، أعلنت المعارضة السورية إسقاط نظام الأسد، في خاتمة لمسار عسكري استثنائي امتد على 12 يومًا فقط.


دلالات "ردع العدوان": من معركة موضعية إلى تحوّل تاريخي

بعد عام على انطلاقها، لم تعد "ردع العدوان" مجرد عملية عسكرية في سجل المواجهات السورية، بل تحولت كما يقدّمها كثيرون من خصوم النظام وأنصاره إلى نقطة نهاية لمرحلة وبداية أخرى مختلفة من تاريخ سوريا الحديث، فمن عملية وُصفت في بداياتها بأنها "ضربة استباقية رافضة للتصعيد على الشمال"، إلى مسار عسكري وسياسي أطاح بنظام حكم استمر أكثر من خمسة عقود، في ظل ظرف إقليمي ودولي بدا في لحظاته الأولى أقرب إلى إعادة تأهيل النظام لا إلى إسقاطه.

العملية كشفت هشاشة البنية العسكرية للنظام بعد سنوات من الاستنزاف، وأظهرت في الوقت نفسه أن خطوط "خفض التصعيد" لم تكن سوى هدنة معلّقة يمكن أن تنفجر في لحظة تلاقي بين تنظيم ميداني محكم وتحولات إقليمية ودولية مواتية.






#سوريا
#الثورة
#ردع العدوان
#نظام الاسد