تركيا لم تعد على الطاولة أمام إسرائيل بل في الميدان

15:189/09/2025, الثلاثاء
تحديث: 9/09/2025, الثلاثاء
أخرى
تركيا لم تعد على الطاولة أمام إسرائيل بل في الميدان
تركيا لم تعد على الطاولة أمام إسرائيل بل في الميدان

الباحث والأستاذ الجامعي محمد مظهر شاهين يسلط الضوء على القوة العسكرية التركية الصامتة والحاسمة وتأثيرها الإقليمي المتصاعد، مقابل تراجع الردع الإيراني والتمادي الإسرائيلي، مؤكدا أن تركيا لم تعد قوة يمكن تجاهلها، وأن تحركاتها المستقبلية قد تغير موازين القوى في المنطقة، خاصة مع دعم شعبي واسع ومراكز قوى عالمية حذرة من مواجهتها.


كثيرًا ما نسمع مقولة متكررة بين الناس: "تركيا تخزن أسلحة سرًا، وربما تمتلك حتى سلاحًا نوويًا. وإلا كيف تتحرك بهذه الثقة في الشرق الأوسط؟"

بينما يرى البعض هذا الكلام مجرد "أسطورة شعبية"، يأخذه آخرون على محمل الجد. لكن الحقيقة تكمن في أن الولايات المتحدة وروسيا والصين تعلنان عن أبسط تجربة صاروخية علنًا، بينما تلتزم تركيا الصمت. لطالما كان هذا الصمت لغزًا، حتى شنّت إسرائيل هجومها الليلي على إيران.

طائرات الـ F-35 الإسرائيلية حلقت في الأجواء الإيرانية بحرية. ولم تظهر الصواريخ التي روجت لها طهران لسنوات. وعندما حاولت الرد، فشلت في اختراق "القبة الحديدية" بشكل فعال، وتوقفت أنظمة الدفاع الجوي لديها عن العمل لأيام. دخلت إسرائيل وضربت في العمق وعادت سالمة. لم تتمكن إيران من استجماع قوتها إلا بعد أربعة أو خمسة أيام، ولكن تدخلًا أمريكيًا أحبط محاولاتها. وهنا عاد السؤال: ليست العبرة بكثرة التصريحات، بل بالقدرة على التحرك في اللحظة المناسبة.

بعد انتهاء حرب الأيام الاثني عشر، اتجهت إسرائيل إلى سوريا. حاولت إشعال الفتنة عبر الطائفة الدرزية في السويداء، ولما فشلت، قصفت القصر الرئاسي ووزارة الدفاع في دمشق بهدف واضح: إسقاط القيادة.

هنا لم تلتزم تركيا الصمت، بل صرحت: "إذا طلبت سوريا دعمًا عسكريًا، فسنكون بجانبها". وبالفعل، طلبت دمشق الدعم، ووقعت أنقرة ودمشق اتفاقية رسمية للتعاون العسكري شملت التدريب، والاستشارة، والعمليات المشتركة. كانت هذه الخطوة رسالة صريحة لإسرائيل: تركيا لم تعد على الطاولة فقط، بل أصبحت في الميدان.

بعد شهر من الهدوء، شنت إسرائيل هجمات جديدة استهدفت مواقع عسكرية في سوريا، بل وتجاوزت حدودها لمهاجمة سفينة من أسطول "صمود" في البحر المتوسط بطائرة مسيرة. السؤال هو: متى سيتوقف هذا التمادي الإسرائيلي؟ الجواب ببساطة: عندما تقرر تركيا وضع حد له.

تعلّق ملايين المسلمين حول العالم آمالهم على أنقرة. صحيح أن تركيا تعلن استعدادها للحرب، لكنها في الوقت ذاته تزن خطواتها جيدًا. فهي تدرك أن مواجهة مفتوحة مع إسرائيل قد تشعل المنطقة بأكملها. لكنها أيضًا على يقين: إذا فاض الكيل وبلغ السيل الزبى، فلن تتراجع عن مواجهة إسرائيل، سواء في سوريا أو في البحر المتوسط. وعندها ستواجه إسرائيل جيشًا غير الذي اعتادت على قصفه من بعيد: القوات المسلحة التركية.

أما البعد الأمريكي، فقد تغير المشهد مع عودة ترامب إلى الساحة. انقلبت رحلة نتنياهو إلى واشنطن عليه، بعدما أحجه ترامب أمام الكاميرات بكلمات واضحة: "تركيا تملك جيشًا قويًا جدًا. الأمور لن تكون سهلة على إسرائيل".

يبقى السؤال: كيف سيتصرف الغرب إذا اندلع صدام تركي-إسرائيلي؟ رأيي حاسم: أوروبا التي يتصاعد فيها الغضب ضد إسرائيل، ووجود أكثر من خمسة ملايين تركي في القارة، والانهيار الأوكراني أمام روسيا، والموقع الجغرافي الاستراتيجي لتركيا، كلها أسباب تمنع الغرب من الاصطفاف خلف تل أبيب. أما الولايات المتحدة فلن تخاطر بجر تركيا إلى معسكر معادٍ. وحتى لو حاولت، فهي تعلم تمامًا أن أنقرة ليست إيران. ورسالة تركيا هنا واضحة: لا أسرار بعد الآن، إذا لزم الأمر، فجوابنا سيكون لإسرائيل، والولايات المتحدة، وروسيا، وأوروبا على حد سواء.

اليوم، من مصر إلى ليبيا، ومن قطر إلى فلسطين، وقفت تركيا دائمًا في الصف الصحيح، واكتسبت ثقة شعوب المنطقة. ولهذا، هناك ملايين سيستجيبون لنداء أنقرة.

وكما قيل: "من أراد السلام فليستعد للحرب". وهنا تكمن الحقيقة. تركيا مع السلام، لكنها أيضًا جاهزة للحرب إذا كان الخصم دولة لا تعترف بالقوانين مثل إسرائيل.

الخلاصة: تركيا لم تعد تركيا الأمس. وعلى إسرائيل، وأوروبا، وحتى أمريكا أن تدرك هذه الحقيقة.

الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لـ"يني شفق العربية"

#تركيا
#إسرائيل
#سوريا